أكدت الجولة التي قام بها وزير الخارجية الأميركية أنتوني بلينكن في المنطقة، خلال الأسبوع الماضي، تطور الخلافات بين إدارة الرئيس جو بايدن وحكومة إسرائيل برئاسة بنيامين نتانياهو، التي وصلت إلى حدّ تهديد الأخير بالذهاب إلى عمليّة عسكريّة في مدينة رفح، بدعم واشنطن أو من دونه، في حين كان العديد من المسؤولين الأميركيين يحذرون تل أبيب، من التداعيات التي قد تترتّب على ذلك.

تطور الخلافات بين الجانبين ليس بالأمر الجديد، لكن من الضروري دائماً العودة إلى وضعها في الإطار الصحيح، كي لا تقود إلى مبالغات غير منطقيّة بالنسبة إلى مستقبل العلاقة بينهما، خصوصاً أنّ الولايات المتحدة لا تزال تُعتبر الداعم الأول لإسرائيل في عدوانها على قطاع غزة وجنوب لبنان، سواء كان ذلك على المستوى السياسي أو العسكري.

في هذا السياق، تؤكد مصادر فلسطينيّة متابعة، عبر "النشرة"، أنّ هذه الخلافات لا تعدو أن تكون أكثر من تباين في وجهات النظر داخل الفريق الواحد، فواشنطن معنيّة بهذا العدوان أكثر من تل أبيب نفسها، وبالتالي هي ترى ضرورة أن تكون نهايته لصالحها مهما كان الثمن، لكنها في الوقت نفسه تسعى إلى تجنب تحميلها المسؤولية المباشرة عنه.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، لو كانت الولايات المتحدة تريد فعلاً إنهاء العدوان لتمكّنت من ذلك، فهي تملك الكثير من أدوات الضغط الفعليّة لا الإعلاميّة فقط على تل أبيب، لكنها تشير إلى أنّ الإدارة الأميركية لا تريد ذلك لعدّة إعتبارات، تبدأ من حاجتها لتسجيل إنتصار في هذه المعركة يعيد لها الإعتبار أمام حلفائها، ولا تنتهي بالضغوط التي تفرض عليها من قبل جماعات الضغط المتعاطفة مع إسرائيل.

في قراءة هذه المصادر، الأسباب التي تقف وراء سعي إدارة بايدن إلى تظهير هذه الخلافات على نحو واسع إنتخابيّة فقط، بعد أن لمست قيادات الحزب الديمقراطي حجم التداعيات، التي تركها دعمه المُطلق لإسرائيل، على واقعه الإنتخابي، الأمر الذي يوحي بأن نتيجة الإنتخابات الرئاسية الأميركية شبه محسومة منذ اليوم، في حال لم تحصل مفاجأة من العيار الثقيل، وتضيف: "الأساس يبقى أن الرئيس الأميركي خسر قواعد إنتخابيّة هامة، من دون أن ينجح في تأمين البديل عنها".

في الجانب الآخر، تشير مصادر سياسية لبنانية، عبر "النشرة"، إلى أنه لا يمكن إنكار وجود خلافات بين الجانبين، بغضّ النظر عن الأسباب الإنتخابيّة التي تقف خلفها، حيث تلفت إلى أنّ الولايات المتّحدة لم تعد قادرة على تحمّل تداعيات أيّ عمليّة عسكريّة كبيرة، لذلك تفضل معالجة موضوع رفح بطرق أخرى، أو تضع شروطاً على تل أبيب قبل الموافقة على عملية حربيّة في المدينة، من دون تجاهل الخلافات الأخرى المتعلقة بمستقبل الأوضاع في غزّة بعد إنتهاء العدوان.

حول هذا الموضوع، توضح المصادر نفسها أنّ واشنطن، كما تلّ أبيب، لا تريد مطلقاً مشاركة "حماس" في إدارة القطاع مستقبلا، لكنها في المقابل لا توافق على الخطط التي توضع من قبلها، لا سيما لناحية السعي إلى إستبعاد السلطة الفلسطينيّة عن ذلك بشكل مطلق، وهي ترمي للوصول إلى حلول "مقبولة" بالتعاون مع بعض الجهات العربيّة، على عكس ما يطمح إليه نتانياهو، الراغب في الوصول إلى إنتصار حاسم يعيد تلميع صورته في المجتمع الإسرائيلي.

في الختام، ترى هذه المصادر أنّ المعطى الأهم، بعيداً عن المواقف الإعلاميّة، سيكون كيفيّة تعامل الولايات المتّحدة مع زيارة وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، حيث من المقرر أن يبحث مسار الحرب في غزّة واليوم التالي، إلى جانب التصعيد على الجبهة مع لبنان، والأهم هو إمدادات السلاح الأميركيّة لإسرائيل، حيث تعتبر أنّ نتائج هذه الزيارة ستحكم على مدى جدية مواقف واشنطن وسعيها لوقف إطلاق النار.