يحتفل المسيحيون هذا الاسبوع بعيد الفصح المجيد وقيامة السيّد المسيح الذي صلب ومات وقام من أجل خلاص البشرية، ويعتبر الصلب من أهمّ الأحداث التي حصلت، ويذكرها الكتاب المقدّس في الأناجيل الأربعة (متى، مرقس، لوقا ويوحنا).

وتشرح الأناجيل الأربعة بالتفاصيل الدقيقة عمليّة الصلب بدءًا من قول السيد المسيح عن حدوثها قبل حصولها، وتكرّر الحديث عنها عدة مرات مع تلاميذه، ثم تفاصيل إلقاء القبض عليه ومحاكمته ثم صلبه وموته وقيامته. وقد تأسّست العقيدة المسيحية على حقيقة الصلب والقيامة من بين الأموات والنتائج المترتبة عليها وانسحبت على حياة المسيحيين لجهّة خلاص البشرية ومصالحتهم مع الله.

في هذا السياق فانّ كل مسيحي مدعوّ الى عيش هذا الزمن بتقوى وإيمان ومحبّة الغير على مثال يسوع المسيح...

الأب البرفسور يوسف مونس عبّر من خلال "النشرة" أننا "نستطيع أن نحتفل بقيامة الربّ يسوع عبر الاحتفال بالقيم المسيحية والغفران والمصالحة". لافتا الى أن "القيم التي طلبها يسوع المسيح هو أن نتشبه به ونفعل كما هو حين غفر لأعدائه على الصليب"، مشددا على أن "قيامة المسيح تحمل علامة فرح نحتفل بها بالقداديس، والمعمول وغيره لا يجب أن نلغيه عند الناس، لأنهم يجب أن يفرحوا بالفرح المسيحي الداخلي وأن يحبوا بعضهم البعض وأن يعملوا الخير"، مؤكدا أن "هذه هي الأعمال التي طلبها يسوع المسيح ونحتاج الى الأعمال الداخلية والتغيير الروحي أو التبدّل".

"هكذا أحبَّ اللهُ العالم، حتى أنّه بذل ابنَهُ الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يو ٣ / ١٦)، هذا ما ورد في الإنجيل المقدّس ومن هنا فإن المسيحيين مدعوون الى السجود عند أقدام مريم ونطلب من قلبها المتألّم والطاهر النعمة لمشاركة يسوع في آلامه لأجل توبتنا وتوبة جميع البشر، هذه هي القيامة الحقيقيّة التي تتمّ في كلِّ واحدٍ منّا. فنقدر عندها أن نقول بالحقيقة: "المسيح قام! ونحن شهودٌ على ذلك".

وفي السياق الروحي الزمني الّذي تحدّث عنه أنبياء العهد القديم فإنّ أصدق تعبير ما قيل عن يسوع المسيح قبل أجيال من التجسّد، فهو "رجل الأوجاع"، هكذا وصف النبي أشعيا الربّ المُعلّق على الصليب. وأضاف: "جُرِح لأجل معاصينا وبجراحه شُفينا... كلُّنا ضللنا كالغنم، كلُّ واحدٍ مال إلى طريقه، فألقى الرّبُّ عليه إثم كلّنا... ولم يفتح فاهُ" (أشعيا ٥٣). الأخ جوزيف... أكّد أن " هذه كانت رسالة يسوع، ولهذا تجسّد. كي يحمل ثمن خطايا العالم ويفي العدل الإلهي، ويشفي بذبيحته جرح الآب من خطيئة البشر، ويفتح بجراحه أبواب السماء للتائبين، وينهج لنا بحمل الصليب، طريق الفردوس الملكي".

ويضيف الأخ جوزيف الى أنّه "وإذ كانت الخطيئة تصلب يسوع من جديد كما يقول القديس بولس، فلا يزال ابن الله يعاني آلام الصلب حتى الآن، من عالمٍ بات بعيدًا عن الله، مُتمرِّغًا بأوحال الخطيئة. فهلمّوا نستفيق من نومنا الروحي ونصعد جبل الجلجلة مع مريم الأم المتألّمة، ونقصد في هذه السنة أن نتوب ونُبدِّل سيرة حياتنا، بممارسة سرّ الإعتراف والقصد الثابت بعدم الرجوع إلى الخطيئة، سبب آلام يسوع ومريم، ونكون مسيحيين حقيقيين، نورًا في العالم وملحًا للأرض". ويشير الى أن آلام المسيح هي مرحلة للوصول الى القيامة والخلاص.

في الخلاصة، فإنّ الصلب والقيامة بشكل عام يشكلان العصب الأساس للرجاء والخلاص في المسيح. وهما يذكران المسيحيين بالحب العظيم الذي أظهره الله من خلال التضحية والقيامة، ويشجعانهم على العيش بحب ورحمة مماثلين في حياتهم اليومية.

اضافة الى أن لهما الدور المركزي في حياة المسيحيين. فالصليب هو أبرز سمات المسيحية ورموزها. وهم يفتخرون به ويضعونه على أعناقهم ومداخل بيوتهم، ويرسمون علامة الصليب على وجوههم لدى دخولهم الكنائس والأديار والمزارات.

كما أن القيامة هي دليل الانتصار على الموت والخطيئة، وتوفر الأمل والرجاء في الحياة الأبدية، اضافة الى أنّها تعتبر جانبًا إيجابيًا للحياة والثبوت في المسيح الساكن في كل مسيحي والتجاوب مع عمل روحه القدوس الذي ناله بالمعمودية.