مع استمرار التّصعيد على جبهة جنوب لبنان، وعدم تسجيل أي تطوّر على مستوى الملف الرئاسي، خرقت جولة المدير التنفيذي لصندوق النقد الدولي محمود محي الدين، على رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير المال في حكومة تصريف الأعمال يوسف الخليل أمس، الجمود الداخلي، بعد انقطاع ملحوظ لأي نشاط او تحرك للصندوق في لبنان.

وعلمت صحيفة "الجمهورية" أنّ "محي الدين حذّر من خطورة تدهور الوضع الاقتصادي، في ظل غياب الاصلاحات المطلوبة، خصوصا على المستوى المالي والنقدي. وطلبَ بشكل ملحّ إقرار مشروع قانون اعادة هيكلة المصارف، كشرط اساسي للاتفاق على خطة التعافي الاقتصادي والمالي".

وعلمت أيضًا أنّ "وفد الصندوق سيستكمل لقاءاته الاسبوع المقبل مع الهيئات المعنية، لِحَضّها على تنفيذ الاصلاحات المطلوبة".

عوامل التضخّم في لبنان: تعدّدية أسعار الصرف أولاً

على صعيد اقتصادي مالي متّصل، أشارت صحيفة "الأخبار" إلى أنّ "تضخّم الأسعار كان إحدى النتائج الأساسية للأزمة المركّبة التي انفجرت في عام 2019. فمنذ ذلك الوقت، شهد الاقتصاد اللبناني زيادة شهرية كبيرة في الأسعار انعكست انهياراً في القدرة الشرائية، علماً أن هذه الزيادات متواصلة إلى اليوم. ولم تصدر أي تقارير رسمية تفسّر أسباب هذا التضخّم ومحرّكاته، بل بدا أن الاهتمام الرسمي به محصور بعمليات الرصد التي تصدرها إدارة الإحصاء المركزي، باعتباره نتيجة تلقائية لانفجار المصارف والليرة".

ولفتت إلى أنّ "منظمة "إسكوا" حاولت تحليل هذه الظاهرة، وبدا عليها التشويش في قراءة المحرّكات وفي عملية قياسها. فرغم أنها رأت أن الأمر بدأ بانهيار سعر الليرة مقابل الدولار، وتحفّز بإفلاس المصارف وبتعاميم مصرف لبنان، التي خلقت تعددية في أسعار الصرف الفعلية، إلا أن المؤشرات الحسابية التي اعتمدها بناءً على سعر الصرف الرسمي، أظهرت أن العجز الحكومي هو السبب الأساسي"، معتبرةً أنّها "مفارقة مستغربة لمنظمة تدّعي أنها تنفّذ دراسة علمية، ثم تقول إنه يجب التعامل بحذر مع نتائجها".

وذكرت الصحيفة أنّ "تقرير "إسكوا" الصادر بعنوان "مسح التطورات الاقتصادية والاجتماعية في المنطقة العربية 2022- 2023"، يخلص إلى أن مسار التضخّم في لبنان "مثير للاهتمام"، إذ يشير التقرير إلى ألا علاقة بين التضخّم واتجاهات سعر الصرف الرسمي، لكنه يذكر أن سعر الصرف الرسمي لا يعكس القيمة السوقية لليرة اللبنانية، والخفض الحاد لقيمتها بشكل رسمي. لذا، فإن النتاج التي تُبنى على النماذج الرياضية "يجب التعامل معها بشيء من الحذر"، إنما بشكل عام "ساهم الإنفاق الحكومي والتضخم المستورد وعمليات طباعة النقود بقوّة، في تسارع التضخّم".

وبيّنت أنّ "في المقابل، يقول التقرير إن مساهمة انهيار سعر الصرف في التضخّم كانت متدنية إلى 3%، مقابل ارتفاع مساهمة الإنفاق الحكومي إلى 36.9%. وبحسب النتائج أيضاً، ظهر أن أسعار الطاقة ساهمت في التضخّم بنسبة 10.2%، وأن الاستيراد ساهم بنسبة 28.2% والطلب الاستهلاكي بنسبة 11.5%".

كما ركّزت على أنّ "هذه التناقضات في التقرير تعكس النتائج المضلّلة، وتظهر ما أرادت الحكومة إظهاره من خلال التأخر المقصود في الاعتراف بسعر الصرف الفعلي الذي بلغ اليوم 89500 ليرة مقابل الدولار، والتمسّك بسعر صرف اسمي بقيمة 1507.5 ليرات مقابل الدولار".

وأوضحت "الأخبار" أنّ "حسابات "إسكوا" لا تأخذ في الاعتبار سعر الصرف الفعلي، ولا دعم استيراد السلع، ولا إفلاس مصرف لبنان والمصارف دفعة واحدة، ولا قرار دولرة الأسعار في السوق وتأثيره على التضخّم. لذا، ينحو التقرير نحو التركيز على العجز الحكومي كسبب أساسي للتضخّم، أي أن الحكومة عوّضت عن تدني الإيرادات من خلال طباعة العملة".

السفيرة الاميركية: انتخاب الرئيس في وقت ليس بعيداً | الجرّة مكسورة بين لودريان وهوكشتين

في سياق منفصل، أفادت "الأخبار" بأنّ "بين الموفدَين الخاصَّين الفرنسي جان ايف لودريان والاميركي عاموس هوكشتين، عداوة كار اسمها لبنان. كلتا ادارتَي بلدَيهما تقاربان ملف انتخاب رئيس للجمهورية على نحو مشابه: موجود في الاليزيه لا في وزارة الخارجية عند الفرنسيين، وفي مجلس الامن القومي التابع لنائب الرئيس لا في وزارة الخارجية عند الاميركيين"، مشيرةً إلى أنّ "القاسم المشترك الآخر بينهما، حضهما على انتخاب الرئيس في اسرع وقت، كي يرعى في مرحلة ما بعد وقف النار في غزة، ترتيبات الاستقرار في الجنوب".

ولفتت إلى أنّ "الفارق الرئيس بينهما، وهو احد مآخذ الموفد الفرنسي، ان لودريان يواكب عمل الدول الخمس فيما يميل هوكشتين الى الاستئثار بالدور، متخذاً من مفاوضات الترسيم البحري قياساً امكن اختبار نجاحه قبلاً، ويتوخى تعميمه مجدداً".

وأكّدت الصّحيفة أنّ "ما يُنقل عن لودريان وتؤكده مصادر دبلوماسية فرنسية في معرض دفاعها عن مهمته، ملاحظات ثلاث:

- اولاها، ان الدخول المفاجئ لهوكشتين على ملف انتخاب الرئيس، اربك بادئ بدء الفرنسيين انفسهم. لم يعودوا يعرفون محاورهم الاميركي فيه: هوكشتين، ام السفيرة في بيروت ليزا جونسون عضو اللجنة الخماسية، ام مساعدة وزير الخارجية لشؤون الشرق الادنى باربرا ليف اول مَن قارب الملف في الاشهر الاولى للشغور في آذار 2023 لدى زيارتها بيروت؟ ما تورده المصادر الدبلوماسية الفرنسية، يتقاطع مع ما سمعه نواب مسيحيون اجتمعوا اخيراً بالسفيرة الاميركية، أظهرت امامهم جدية عمل الدول الخمس، قاصرة المهمة عليها. جزمت جونسون امامهم بانتخاب الرئيس "في وقت ليس بعيداً. هذه السنة".

يتكامل في المقابل دورا لودريان مع السفير في بيروت هيرفيه ماغرو، مع هامش اوسع للاول بصفته موفداً خاصاً للرئيس، يدلي بما لا يُشعره بالحذر والاحراج الدبلوماسي، على نحو ما سمعه منه محدثوه اللبنانيون اخيراً في باريس، معبّراً عن امتعاض الاليزيه اكثر منها ما يملك الكي دورسيه قوله وكذلك السفير: "السياسيون المسيحيون لاسيما منهم الموارنة، غير قادرين على الاتفاق على مرشح، وهو احد اسباب عدم انتخاب الرئيس حتى هذا الوقت". لاحظ ايضاً ان "لا ثقة ولا جدية في التعامل مع الانتخاب، مقدار التركيز على التناقضات بين السياسيين الموارنة"، ماراً بمحطة سابقة هي تمديد ولاية قائد الجيش العماد جوزف عون. قال لودريان: "لم يحظ التمديد له بتوافق ماروني كامل، ونجم عن مشاورات واتصالات طويلة متعبة". اما المهم في ما كشف عنه في اجتماعه الاخير في بيروت، مع الجناح السياسي لـ"حزب الله"، فهو "عدم انخراطه الجدي في انتخاب الرئيس، جراء انشغاله بالوضع على الحدود مع اسرائيل"، قبل ان يضيف: "المشكلة ان اللبنانيين لا يرون اسرائيل جدية في رغبتها في دخول الحرب، رغم تهديداتها اليومية المتواصلة، واعلانها عدم قبولها بالعودة الى الوضع الذي كان سائداً في السنوات المنصرمة".

- ثانيتها، تطفّل الموفد الاميركي على ملف هو في عهدة الدول الخمس بما فيها الولايات المتحدة وفرنسا، شتت الادوار واعطب التوقعات. ما ينقل عن لودريان ان هوكشتين يتجاوز عمل جونسون في الملف اللبناني، بما في ذلك الاستحقاق الرئاسي: "ما ان تتفق الدول الخمس على موقف، يصدر عنه آخر معاكس محاولاً اظهار نفسه مفاوضاً صعباً ومتمرساً ذا ثقة مفرطة بالنفس، بعد نجاحه في اتفاق الترسيم البحري".

يضيف لودريان: "سهّل الاتفاق اللبناني- الاسرائيلي على الترسيم، رغبة الجهات جميعها في تبادل المنافع والمصالح الاقتصادية، خلافاً للمتوقع ان ينجم عن مقاربة الحدود البرية، التي تكتفي بضمان الامن والاستقرار بلا اي منافع اقتصادية".

- ثالثتها، تأكيد الموفد الفرنسي دوره في موازاة الدول الخمس بتنسيق كامل معها. قبل اقل من شهرين زار القاهرة، ابان الحديث عن احتمال رفع اجتماع الدول الخمس من مستوى السفراء والمستشارين الى وزراء الخارجية. ذُكر ان المحاولة الاولى عقد الاجتماع في بيروت فتعذر، ثم في الدوحة فتعذر ايضاً، ثم في الرياض فتعذر للمرة الثالثة. طلب لودريان مقابلة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، الذي تجمعه به علاقة شخصية سابقة مذ كانا معاً وزيرين للدفاع في بلديهما في وقت متزامن. اخفق في الاجتماع به لضيق وقت رئيس الدولة، فاجتمع بوزير الخارجية سامح شكري، وفاتحه في استضافة مصر اجتماع الوزراء الخمسة فلم يلقَ ترحيباً.

في ما يفصح عنه لودريان امام شخصيات لبنانية اجتمع بها في باريس، تذمره من تطفل هوكشتاين في ملف لم يُعهد اليه به، هو انتخاب الرئيس اللبناني. المرة الاولى اتى هوكشتين على ذكر الاستحقاق الرئاسي في زيارته الاخيرة لبيروت في آذار الفائت، عندما ربط بين ترتيبات اعادة الاستقرار الى الجنوب ووجود سلطات دستورية متكاملة، متحدثاً عندئذ عن ضرورة انتخاب رئيس للجمهورية يتولى التنفيذ. كانت تلك المحطة الاولى والوحيدة، في بيروت، يلمح الى اهتمامه بالاستحقاق ما اشاع انطباعاً بايكاله الملف. في الزيارة الاخيرة، اعاد هوكشتين استخدام الاغراء نفسه، عشية الوصول الى اتفاق الترسيم البحري: من دون تطرقه الى تنفيذ القرار 1701 كاملاً ولا الى النقاط الحدودية ومزارع شبعا، طلب اجراء ترتيبات امنية محدودة في الجنوب تقضي بانسحاب "حزب الله" سبعة كيلومترات من الخط الازرق، في مقابل حصول لبنان على مساعدات ودعم لاعادة اعمار قرى الجنوب؛ دونما ان يعيّن مصدرها".