الزَمَنُ سُكنى اللهِ. دينامِكِيَّةٌ لا يَهزِمُها زَوالٌ.

الوَقتُ مَحبَسٌ. دَورِيَّةٌ لا لَهَبَ بِها بَل تَنَحٍّ في القَلَقِ. فيها، تَكَثَّفَت عَدَدِيَّاتُ مَن تَألَّهوا فَتَمَلَّكوا الأرضَ وَمَن فيها بَعدَما سَخَّروا الوجودَ لِتَجانُسِهِمِ في السَيطَرَةِ، وَلِتَنافُذِهِمِ في النُفوذِ؟

مِن سَحيقِ التاريخِ الى الأَواتِي، الوَقتُ "أنا" جَشَعُها دَوامُ النَهَمِ... الذي لا مَكانَ فيه لِلإنسانِ. وَلا غَروَ إذا الغَربُ والشَرقُ أغرَقاهُ بِحَولِيَّاتِ ما إِستُنفِذَ وَما إِستَزادَ.

وإِذ شَجَّعَ الفِرعَونيُّ بِتاحُ-حَتَبَ (2650 -2600 قَبلَ الميلادِ) على "عَدَمِ تَقليلِ وَقتِ الرَغبَةِ التالِيَةِ لِأنَّ تَضيِّيعَ الوَقتِ عَمَلٌ بَغيضٌ"، فإنَّ أرِسطو إكتَفى بالوَقتِ "عَدَداً مِن التَغِيراتِ مَعَ الأخذِ في الإعتِبارِ الحالَةَ قَبلَهَا وَبَعدَها." وَرَكَنَ إبنُ سينا الى أنَّهُ "عَدَدُ الحَرَكَةِ مِن جِهَةِ المُتَقَدِّمِ والمُتأخِّرِ".

هو المِيقاتُ وَما قُدِّرَت غايَتُهُ إلَّا في المُوقَّتِ.

لَكِن مُنذُ البَدءِ، لبنانُ في حَضرَةِ الزَمَنِ. في جَذرِيَّةِ الحَياةِ المُنبَثِقَةِ مِنَ اللهِ، حَيثُ لا إِنكارَ فيها لِلإنسانِ. هو الأمَدُ المَمدودُ. الذي مِنَ الآزالِ الى الآبادِ. لا العَدَمُ يَسبِقُهُ وَلا هو بِلاحِقٍ لَهُ.

هَلِ الزَمَنُ والسَماواتُ تَجانُسُ وجودٍ؟ بَلِ الأبَدِيَّةُ-الجامِعَةُ، المُقيمَةُ في حَرَكِيَّةِ المَكانِ. ثَباتُ الوجودِ.

ها قَبلَ الجَميعِ يَعتَرِفُ الإغريقيُّ ديوجينُسُ لِائرتيوسَ في كِتابِهِ "مَشاهيرُ حَياةِ الفَلاسِفَةِ" أنَّ طاليسَ الُلبنانِيَّ-الفينيقِيَّ (640-562 قَبلَ الميلادِ) عَلَّمَ "أنَّ إيلَ-الإلَهَ هو أقدَمُ المَوجوداتِ لِأنَّهُ غَيرُ مَخلوقٍ، والكَونَ أجمَلُ الخَلائِقَ لِأنَّهُ يَحوي المَوجوداتِ كافَّةُ، والزَمَنَ الأكثَرُ حِكمَةً لِأنَّهُ يَكشِفُ كافَّةَ الأُمورِ".

وَها أغوسطينوسُ الُلبنانِيُّ-الفينيقِيُّ-مُعَلِّمُ-الغَربِ يُشيرُ في "إعتِرافاتِهِ" (الفَصلُ 11): "أعلَمُ جَيِّداً ما هو عَلَيهِ الزَمَنُ شَرطَ ألَّا يَسأَلُني عَنهُ أحَدٌ، وَإن سُئِلتُ عَن ماهِيَّتِهِ، فأنا في حَيرَةٍ إذ لا أعُد أعرِفُ شَيئاً." وَمِن هَذِهِ البَديهِيَّةِ-المَلَكَةِ، سَيُحَرِّرُ الوَقتَ (tempus) مِنَ الزائِلِ، وَيَحمِلُهُ الى عِنايَةِ تَبَّديَ الدَيمومَةِ (aevum/aetas): "حاضِرُ الماضِيَ هو الذاكِرَةُ، وَحاضِرُ الحاضِرِ الرُؤيَةُ، وَحاضِرُ الأواتِيَ الإنتِظارُ." (الفَصلُ 20). لِيَخلُصَ بالإرتِقاءِ الى البَدءِ: "الزَمَنُ هو إنبِساطُ الروحِ distentio animi" )الفَصلُ 26).

رَصفُ الجَسارَةِ

الروحُ! الجَسارَةُ ألمِنها وَفيها وَبِها، لبنانُ مُتجانِسٌ والزَمَنِ. في رَصفِها، الإنسانُ لَيسَ إنبِساطاً لِزَمَنٍ في مَكانٍ، إنَّما إنبِساطُ الزَمَنِ والمَكانِ في الأُلوهَةِ. قُل: في تَنافُذِ الجَوهَرِ بالوجودِ والوجودِ بالجَوهَرِ.

وَها حَيَوِيَّةُ هذا الجَرَيانِ وَنُموَّهُ، بَل وَفَورِيَّتُهُ، في كُلِّ البَدءِ. لبنانً كَرَّسَهُ تَبَصُّراً هو دَليلُ إندِفاعَةِ الأُلوهَةِ في زَمَنِ الإنسانِ وَمَكانِهِ، على ما يَذكُرُهُ المُؤَرِّخُ الأوَّلُ، سَنخوني أتُنُ البَيروتِيُّ، في القَرنِ الثالِثَ عَشَرَ قَبلَ الميلادِ، (وَسَيَستَعيدُهُ لاهوتاً مَسيحانِيَّاً أوسابيوسُ القَيصَرِيُّ ألمِن عِندِنا في "الإعدادِ الإنجيلِيِّ"): تُحيطُ بإيلَ-اللهُ-الآبُ عُيونٌ أربَعَةٌ أمامَهُ وَخَلفَهُ؛ إثنَتانِ مُغلَقَتانِ؛ والأربَعَةُ مُرتَبِطَتانِ بأجنِحَةٍ: طارَت إثنَتانِ مِنها، وإنحَدَرَت الإثنَتانُ الباقِيَتانِ، عَلامَةً أنَّ إيلَ مَوجودٌ لِلخَليقَةِ أثناءَ الرُقادِ، وَمُتأهِّبٌ عَبرَ الوجودِ؛ فالأجنِحَةُ رَمزُ حُضورِهِ المُحَلِّقِ أثناءَ راحَتِهِ، وَراحَتُهُ في سَماواتِهِ هي الوجودُ-الجَوهَرُ أبَداً لِخَليقَتِهِ. زَمَنُهُ زَمَنُ خَليقَتِهِ... بِالأمسِ، وَاليومَ، وَما دامَ الزَمَنُ.

تَكريسُ لبنانَ هذا التجانُسَ إستِثناءً-مُحَرِّراً، هو بَرهَنَتُهُ. مِن ذاتِهِ بَدؤهُ. عَجَبُهُ أنَّهُ يَتَغالَفُ في حَقيقَةٍ واحِدَةٍ: حَقيقَةُ الأُلوهَةِ وَلبنانَ. في اليَقَظَةِ الجَمَّةِ. يَقَظَةُ الأعماقِ لا الكَمَّ... على ما يُتَوِّجُ بِها الأخَوانُ رَحباني:

"يا زَماناً ضاعَ في الزَمَنِ...

بَينَ زَهرِ الصَمتِ والوَهَنِ.

مِن حُدودِ الأمسِ يا حُلُماً

زارَني طَيراً على غُصُنِ".