ليس هناك سوى كشمير واحدة، لكنها تعيش قصتين مختلفتين. ففي جامو وكشمير (الجانب الهندي من كشمير)، يتقاطر سكانها للمشاركة في الانتخابات العامة بأعداد قياسية. بينما تشهد كشمير التي تسيطر عليها باكستان(PoK)، تظاهرات ضد غلاء الأسعار، وارتفاع الضرائب، والبطالة وغيرها من الأزمات الاقتصادية الحادة.

تشكل كشمير الباكستانية PoK (آزاد كشمير وغيلغيت بالتستان) حوالي 30% من إجمالي أراضي كشمير، وتعتبرها الهند أرضًا محتلة منذ ان انتهكت باكستان شروط اتفاقية الوقف التام مع مهاراجا كشمير حينذاك، هاري سينغ، لضم الدولة بأكملها بالقوة في عام 1947-1948، أنقذت القوات الهندية الدولة، إلا أن جزءًا كبيرًا منها بقي تحت السيطرة الباكستانية، وقدمت باكستان 10% منها إلى الصين -والمعروفة الآن باسم أكساي تشين- وأطلقت على أراضيها اسم كشمير الحرة (آزاد كشمير) بطريقة احتيالية.

إن الغضب المتصاعد حاليًا في كشمير المحتلة يذكّر بالوعود التي لم تتحقق لحكومات باكستان المتعاقبة لتطويرالمنطقة وتحرير جامو وكشمير بالقوة، بينما تصر باكستان على تعويم واحياء حركة باسم استقلال جامو وكشمير، رغم انها لم تؤدي سوى الى بؤس الكشميريين، والاحتجاجات الاخيرة هي خير دليل وبمثابة تتويج لهذه الملحمة الساخرة.

تفاقمت الاحتجاجات في كشمير الباكستانية بسبب الأزمة الاقتصادية في باكستان وشعورقطاع واسع من الشباب بتجاهلهم من قبل البنية الفيدرالية، وفي في 13 مايو، وبسبب الغضب من فواتير الكهرباء المرتفعة خرجت الامور عن طورها بعد اشتباك عناصر من منظمة اللجنة المشتركة للعمل الشعبي(JAAC) في آزاد كشمير مع حرس الحدود شبه العسكريين مسفرة عن مقتل مسؤول شرطة واحد وثلاثة مدنيين واصابة ما يقرب من مائة شخص.

ومع تصاعد التوتر، توجه رئيس الوزراء الباكستاني شهباز شريف إلى مظفر أباد، عاصمة كشمير الباكستانية للعمل على تهدئة الاوضاع والغضب من القيادة المحلية، وأكد شريف أن رسوم الكهرباء سيتم تحديدها وفقًا لتكلفة توليد الطاقة الكهرومائية في آزاد كشمير، كما سيعمل على صياغة حلول قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد للمشكلات الطارئة. تجدر الإشارة الى وجود محطات توليد طاقة عدة تعمل في كشمير توفر جزءا من استهلاك البنجاب، وهي أكثر ولايات باكستان سكانًا

وفقًا للتقديرات، تساهم كشمير الباكستانية بما يقارب من 3500 ميغاواط من الكهرباء في باكستان، وعلى الرغم من تزويد شبكة الكهرباء الباكستانية بكمية كبيرة من الطاقة، لا ينال مستهلكو الكهرباء في كشمير اي تخفيضات، ويدفعون التعرفة وفقًا لصيغة الهيئة الوطنية لتنظيم الكهرباء.

يرتبط الغضب الشعبي العلني في كشمير في الواقع ببنيته السياسية، اذ تزعم الدولة الباكستانية أنها منحتها حكماً ذاتيًا كاملاً وهو ما لا نلمسه على أرض الواقع.

آزاد-مستقلة؟

على الرغم من أن "آزاد" تعني "حرة"، إلا أن آزاد كشمير (AJK) تخضع لسيطرة صارمة من إسلام أباد، وتخضع هياكلها السياسية للمراقبة اللصيقة، كما يعتبر النظام العسكري البيروقراطي الباكستاني القوة الاكثر نفوذا فيها وبالتالي، لا يبقى سوى القليل من الهوامش لاستقلال قيادة النخبة المحلية فيها ما يؤدي الى استياء بين الجماهير بشكل دائم.

تبدو معظم التوقعات الاقتصادية في المنطقة قاتمة، معدل البطالة بين الشباب مرتفع للغاية ويتجاوز معدل البطالة في آزاد كشمير مثيله في المقاطعات الباكستانية الأخرى، كما يفرض عليهم ضرائب باهظة ويجدون صعوبة في الاستقرار وتدبير احتياجاتهم الأساسية.

تسببت سياسات الحكومات المحلية والفيدرالية المناهضة للفقراء في غضب عميق بين الناس ضد من هم في السلطة في مظفر أباد وإسلام أباد، ويقول جزء كبير من سكان آزاد كشمير أن النخب الحاكمة في المنطقة قد خانت القضية لمصالحهم الشخصية ولامتيازات وحظوة في إسلام أباد.

وفي حين فشلت السلطات الباكستانية في احتواء الاحتجاجات رغم استخدامها أساليب القوة، لوحظ بروز تيارات مؤيدة للهند بين المتظاهرين، فقد حمل هؤلاء لافتات كتب عليها أنهم يفضلون أن يكونوا مع "هندوستان" (بمعنى الهند) على أن يعانوا من دون حكم ذاتي.

كشمير الباكستانية مقابل جامو وكشمير الهندية

في حين يبلغ عدد سكان جامو وكشمير حوالي 15 مليون نسمة، لا يتجاوز عدد سكان القسم الذي يقع تحت السيطرة الباكستانية 5.2 مليون فقط وفقًا لتعداد عام 2020.

تظهر دراسة لنماذج الحكم في كشمير المسيطر عليها باكستانيا وجامو وكشمير وجهات نظر متباينة بشكل حاد، وتضاعف التفاوت بعد إلغاء الوضع الخاص لجامو وكشمير بعيد إلغاء المادة 370، اذ تنفق الهند 16 ضعفًا على تطوير جامو وكشمير مقارنة بما تستثمره المؤسسة الباكستانية في القسم الخاضع لسلطتها، ويقدر إجمالي الميزانية السنوية الهندية لكشمير وجامو بـ 1.01 كرور روبية.

وفقًا لتقرير موقع صوت فيينا(Voice of Vienna)، تنفق الهند 9 أضعاف انفاق باكستان على التعليم، وخلال العامين الماضيين، كان تركيز الحكومة الهندية منصبا بشكل كامل على التنمية الاجتماعية والاقتصادية لجامو وكشمير، ففي حين وصل عدد الجامعات في القسم الهندي الى 35 جامعة وكلية، مقابل 6 فقط في القسم الباكستاني من كشمير

كما تسارع نيودلهي، وفقا للتقرير، في تنفيذ عدد كبير من مشاريع البنية التحتية لإعطاء دفعة قوية للاقتصاد المحلي، الذي اضاء ايضا على الازدهار السياحي، فقد استضاف القسم الهندي العام الماضي أكبر عدد من السياح في العقدين الماضيين

ومن جهة اخرى، وبالرغم من سيطرة باكستان على مالية واقتصاد القسم الخاضع لسيطرتها، فإن المسار السياسي للولاية يخضع لها ايضا، حيث لا تمتلك القيادات السياسية صلاحيات واستقلالية كافية مما وضع قراراهم في جعبة سياسيي باكستان، اذ تُدار الأمور وفقًا لأهواء ورغبات قادة اقليم البنجاب، ورغم الثروات الطبيعية الوفيرة لكشمير الا ان هذا لم ينعكس على نموها، ويعزى ذلك فقط إلى النهج الأحادي لباكستان التي تستخدم عائدات هذه الموارد بشكل أساسي في ولايات باكستانية أخرى.

لكن لا بد من الاشارة ايضا الى تقصير هندي ايضا في معالجة بعض المشاكل العالقة خصوصا بما يتعلق بالمظالم الأمنية للكشميريين، لقد عانى الكثير منهم على يد قوات الأمن الهندية، ولم يتم ايلاء الاهتمام الكافي لشكاويهم.

وختاما، العلاج الانسب لغضب الناس يكون في ظل نظام ديمقراطي، فقط حينئذ يتحول الاحتجاج إلى إزدهار.