أعادت زيارة الموفد الفرنسي جان إيف لودريان إلى لبنان، تحريك الملف الرئاسي، وأشارت صحيفة "الجمهورية" في تقييم عام للزيارة، وفق ما استخلصته من اجواء اللقاءات التي عقدها، إلى الآتي:
"اولاً، العنوان العريض لهذه الزيارة، في هذا التوقيت، هو حث الأفرقاء على التعجيل في سلوك مسار التوافق على انتخاب رئيس.
ثانياً، في معرض حديثه، اكّد لودريان على ما مفاده انّ التعجيل في انتخاب رئيس للجمهورية من شأنه أن ينجّي لبنان، ويقيه خطر السقوط في واقع مأساوي. مع الإشارة هنا إلى انّ لودريان هو صاحب التشبيه الشهير للوضع اللبناني، حينما اعتبر انّ وضع لبنان أشبه بالتايتانيك التي تغرق.
ثالثاً، كان لافتاً إخراجه كلمة "حوار" من التداول، على اعتبارها قد تستفز بعض الجهات، واستبدالها بـ"التشاور".
رابعاً، كان لافتاً ايضاً انّ الموفد الفرنسي، الذي سبق لزياراته السابقة الى بيروت أن حملت الطابع الاستطلاعي، بدا في محادثاته ومن خلال الاسئلة التي طرحها، متموضعاً في دائرة الاستطلاع لمواقف الأفرقاء من الملف الرئاسي بصورة عامة، و"التشاور" بصورة خاصة؛ وما اذا كانت ثمة افكار جديدة من شأنها أن تشكّل عاملاً مساعداً للجهود التي تُبذل لتحقيق هدف التشاور في القريب العاجل.
خامساً، قال لودريان انّ التشاور حاجة ملحّة للبنانيين، وكان ملحّاً في تأكيده على ضرورة تجاوب الاطراف مع الدعوة الى إجراء مشاورات تمهيدية لانتخاب رئيس الجمهورية، ولكن من دون ان يطرح، ما يمكن أن تُسمّى "مبادرة"، بل أدرج الجهود التي يبذلها لحسم الملف الرئاسي من ضمن جهود اللجنة الخماسية، التي انتهت في الاجتماع الاخير لسفرائها إلى رسم خريطة طريق الحل الرئاسي عبر ما سمّتها "مشاورات ضرورية"، محدودة النطاق والمدة بين الكتل السياسية؛ لإنهاء الجمود السياسي الحالي.
سادساً، عبّر الموفد الفرنسي في محادثاته بشكل جلّي عمّا اكّد عليه سفراء دول اللجنة الخماسية في بيانهم الأخير، لجهة ضرورة التعجيل في انتخاب رئيس يوحّد البلد ويشكّل تحالفاً واسعاً وشاملاً في سبيل استعادة الاستقرار السياسي، وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية. وكذلك لجهة اعتبار انّ انتخاب رئيس للجمهورية هو أمر ضروري لضمان وجود لبنان بفعالية في موقعه على طاولة المناقشات الإقليمية، وكذلك لإبرام اتفاق ديبلوماسي مستقبلي بشأن حدود لبنان الجنوبية.
سابعاً، لم يوح في حديثه، أقلّه مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وكذلك مع رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" النائب محمد رعد، وقبل ذلك مع رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، بتبنّي أي من المرشحين. كما لم يقدّم اي مفاضلة بين الخيارات الرئاسية، لا بالنسبة الى ما يُسمّى "خياراً اولاً"، او خياراً ثانياً او ثالثاً، على اعتبار انّ هذا الأمر تقّرره الاطراف على طاولة المشاورات".
وكشفت معلومات "الجمهورية"، أنّ "لودريان سمع من بري تأكيد حرصه على اتمام الاستحقاق الرئاسي في اقرب وقت ممكن، مذكّراً بسلسلة المبادرات التي اطلقها في هذا السبيل للاجتماع على طاولة حوار او نقاش او ما شابه ذلك، ولفترة محدودة بأسبوع على الأكثر، ولكن مع الاسف لم تتمّ الاستجابة الى هذا الامر. كما اكّد بري انّه مع كل جهد مساعد لجلوس الأفرقاء للتشاور بين بعضهم البعض، ويوفّر امكانات تحقيق الهدف المنشود بانتخاب رئيس للجمهورية".
ولفتت مصادر موثوقة لـ"الجمهورية، إلى أنّ "اللقاء بين الموفد الفرنسي وبري، الذي استمر لما يزيد عن ساعة، كان في مجمله مريحاً، وان تسعين في المئة من الوقت الذي استغرقه تركّز على الملف الرئاسي وكل ما احاط به من حراكات ومبادرات، وكان لافتاً في هذا اللقاء انّ الموفد الفرنسي كان متناغماً الى حدّ كبير مع موقف بري ومبادرته الرامية الى الحوار او التشاور".
آخر مبادرات لودريان قبل إعلان الفشل: "الخيار الثالث"... بلا حوار
في السّياق، ركّزت صحيفة "الأخبار" على أنّ "على ما يبدو، حمل الموفد الفرنسي جان إيف لودريان بذور فشل زيارته معه قبل وصوله إلى بيروت. فإلى القناعة الداخلية بأن الزيارة تندرج ضمن إثبات الدور الفرنسي، وبأن واشنطن المقتنعة بأن لا حلول في لبنان قبل الهدوء في غزة هي وحدها من يحمل مفتاح التسوية، شكّلت "المبادرة المشروطة" التي حملها لودريان معه نعياً للزيارة قبل انتهائها".
وبيّنت أنّ "المعلومات تقاطعت على أن الموفد الفرنسي انطلقَ في مشاوراته مع الأفرقاء من فكرة "الخيار الثالث"، باعتبار أن "لا مجال للحل إلا بانسحاب المرشحين الرسميين من السباق"، ما يعني أنه "وضع شرطاً لنجاح المبادرة. أما النقطة الثانية، فكانت التأكيد على فكرة التشاور الثنائي بين القوى، أي إنه عملياً تنصّل من فكرة الحوار".
وأوضحت الصحيفة أنّ "هذا الكلام قاله لودريان بوضوح أمام من التقاهم، وسمع مواقف متناقضة رداً على مبادرته. فقد أكّد "حزب الله" ورئيس مجلس النواب نبيه بري، رفضهما التخلي عن دعم ترشيح رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، وعلى حوار برئاسة رئيس المجلس حصراً. وكرّر بري تمسكه بمبادرته لانتخاب رئيس للجمهورية، مجدّداً الدعوة ومن دون شروط مسبقة للتشاور حول موضوع واحد هو انتخاب رئيس للجمهورية، ومن ثم الانتقال إلى القاعة العامة للمجلس النيابي للانتخاب بدورات متتالية، من ضمن قائمة تضم عدداً من المرشحين". وذكرت أنّ "رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع رفض أي حوار أو تشاور، وقال بعدَ لقائه لودريان: "إن لودريان قال لنا إن بري كان إيجابياً، لذا فليتفضل وليدعُ إلى جلسة".
وشدّدت على أنّ "من هنا، يجري التعاطي مع زيارة لودريان على أنها "إعلان فشل"، يُضاف الى جولاته السابقة التي لم تؤدّ إلى أي نتيجة منذ توليه ملف الأزمة الرئاسية". وأشارت مصادر مطّلعة إلى أن "الفرنسيين أرادوا من خلال هذه الزيارة إعطاء فرصة أخيرة للجنة الخماسية، التي نعت نفسها في البيان الذي صدر عنها بعد اجتماعها الأخير في السفارة الأميركية في عوكر، وحمل بين سطوره تحذيراً أخيراً للبنانيين بأن عليهم انتخاب رئيس للجمهورية وإلا ستتوقف اللجنة عن الدور الذي تقوم به".
وأضافت المصادر أن "الفرنسيين أثبتوا عدم قدرتهم على تحقيق أي تقدّم لا في الملف الرئاسي ولا في ما يتعلق بجبهة الجنوب"، لافتةً إلى أن "لودريان في زيارته ما قبل الأخيرة في تشرين الثاني الماضي، قال إنه سيعود بعدَ شهر إلى لبنان، فغاب أكثر من ستة أشهر". وتوقّعت أن "يعلن بعد مغادرته تعليق الحراك الفرنسي في لبنان، بالتزامن مع تجميد اللجنة الخماسية عملها أيضاً، بانتظار ما سينتج عن اللقاء الذي سيشهده الإليزيه بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والرئيس الأميركي جو بايدن مطلع الشهر المقبل".
لودريان يتبنى التحفظات المسيحية على حوار بري
على صعيد متّصل، أفادت معلومات صحيفة "الديار"، أن "لودريان طرح خلال جولاته تشاورا متقطعا، ثنائيا او ثلاثيا ورباعيا، ليس واضحا حتى الان، وتبين من خلال طرحه انه يريد مراعاة الهواجس المسيحية الرافضة للحوار في المجلس النيابي برئاسة بري والالتفاف على هذا الطرح".
وبيّنت أنّ "الاجتماع مع "حزب الله" كان صريحا وواقعيا ولم تتخلله مواقف عالية السقف، وشدد الحزب على ضرورة الاسراع في انتخاب رئيس للجمهورية من خلال الحوار في المجلس النيابي برئاسة بري وليس اي حوار اخر، في ظل عدم امتلاك اي طرف للاغلبية النيابية، وضرورة عدم الربط بين الحرب في الجنوب وانتخاب رئيس للجمهورية".
وذكرت المعلومات أنّ "وجهات النظر بين "حزب الله" ولودريان كانت متباعدة ومتعارضة، واقتصر النقاش على الملف الرئاسي، لكن وفد الحزب تطرق الى موضوع غزة والهمجية الاسرائيلية والاعتداءات على لبنان، وسأل: كيف يمكن مواجهتها من دون حوار داخلي؟".