اطلقت ​وزارة السياحة​ حملتها لاستقطاب المغتربين الى لبنان هذا الصيف تحت عنوان: "​مشوار رايحين مشوار​". وبغض النظر من الموقف من هذا الشعار، يبدو ان وزارة الداخلية كانت ترغب في تبنّي هذه الفكرة، ولم تستسلم اذ عمدت الى "السيطرة" عليها وأصعدت جميع المواطنين الى قطار المشوار بمحطاته العديدة.

المحطة الاولى كانت أمنيّة من خلال الاعلان عن التشدد في تطبيق القانون على ​الدراجات النارية​ المخالفة والسائقين الذين يتولون قيادتها. في الشكل، لا شك ان غالبية اللبنانيين يؤيّدون هذا القرار ويعتبرون انه تأخر كي يتم تطبيقه، اذ ان القسم الاكبر من الجرائم والسرقات تحصل بفعل هذه الدراجات وسائقيها. ولكن عملياً، سرعان ما لاحظ اللبنانيون ان الكلام شيء والتطبيق شيء آخر، اذ اعترى التنفيذ العديد من المشاكل، حتى مع قوى عسكريّة وأمنيّة اخرى على غرار الجيش اللبناني والحادثة الشهيرة التي حصلت (قرب منطقة غاليري سمعان) وأدّت الى تدخل قيادة الجيش لفضّ المسألة. وفيما تنفّس الناس الصعداء واطمأنّوا الى ان التدابير المشدّدة المتّخذة سوف تريحهم من فوضى الدرّاجات الناريّة غير القانونيّة التي باتت كالذباب على الطرقات، اذ بهم يفاجأون بتراجع هذه التدابير وعودة النشاط الى اصحاب هذه الدراجات بشكل مضطرد، وكأنّ كل ما قيل وتمّ التهديد به قد انتهى.

تحمّل المواطنون صدمتهم واكملوا مشوارهم الى المحطّة الثانية التي كانت دينيّة من حيث المبدأ. لا يحتاج ​القديس شربل​ مخلوف الى من يتحدث عن قدراته التي استمدّها من الله مباشرة، وعن عجائبه ومكانته الكبيرة لدى اللبنانيين وفي العالم اجمع، وحين توجه وفد من الرسميين الى ايطاليا للمشاركة في افتتاح كنيسة على اسمه، لم يكن غريباً ان يشارك في المراسم وزراء وشخصيات من مختلف الطوائف والمذاهب. ولكن المفاجأة كانت انّ وزير الداخلية والبلديّات في حكومة تصريف الاعمال بسام المولوي كان على رأس وفد كبير من الوزارة للمشاركة في هذه المناسبة. من المفهوم ان يشارك وزير مسلم في تكريم القديس شربل، لانه كما سبق وقلنا، يحظى هذا القديس بمكانة مميزة في قلوب جميع اللبنانيين. ولكن ما الحاجة الى وزير الداخلية بالذات في خضمّ مشاكل امنيّة كبيرة كان لبنان يواجهها، ولم يزل، ومنها على سبيل المثال لا الحصر: مشكلة ​النازحين السوريين​ وتعاميم التشدد في الرقابة عليهم وترحيل من لا يملك منهم اوراقاً شرعية، والخطة الامنية الموضوعة في بيروت وغيرها من المناطق، والحاجة لبقاء مرجعية كبيرة في الوزارة في ظل غياب بعض القادة الامنيين التابعين لها. إضافة الى ذلك، لم يكن مفهوماً سبب مشاركة هذا العدد الكبير من الوفد التابع للوزارة، والذي لم يقم بأيّ اتصالات او مشاورات او لقاءات تدخل في صلب مهام الداخليّة اكان من الناحية الامنية او الادارية. وكان يمكن مشاركة وزراء آخرين من الطائفة الاسلاميّة للدلالة على رسالة لبنان وتوافق الطوائف فيه.

أمل المواطنون ان يتخطّوا صدمتهم الثانية، وان يتم التعويض في المحطة الثالثة والتي كانت تسهيل امورهم في ما خصّ ​معاملات الميكانيك​. للاسف، لم تكن هذه المحطة افضل من التي سبقتها، فبعد ان استبشروا خيراً بأنه سيتم انصافهم لتقيّدهم بالقانون ورغبتهم في دفع الرسوم المتوجبة عليهم، ذهلوا بمعرفة انهم سيدفعون ثمن التأخير الذي حصل في الدفع (وهو الذي تتحمل مسؤوليته وزارة الداخلية بالتحديد لانه كان يجب ان تنسّق مع مجلس النواب لاصدار القانون ضمن الموازنة، كما انها تأخرت في السماح لمكاتب تحويل وصرف الاموال باستقبال الرسوم)، ووجدوا انفسهم وقود الحل الاسهل بأن يدفعوا ثمن هذا التقصير الفاضح الاقرب الى الفضيحة. ولزيادة الطين بلّة، كان قرار دفع مبلغ مليون ليرة للـVignette التي عادة ما كان يحصل عليها المواطن عند دفع الرسوم المتوجبة عليه كدليل على قانونيّة سير مركبته، والانكى من كل ذلك انه تم الاستعاضة عنها بإيصال، اي بمعنى آخر اصبح ثمن ورقة مطبوعة مع ختم المكتب الذي اصدرها مليون ليرة لبنانية فقط لا غير، ولا وجود للـVignette!.

نزل المواطنون من القطار في المحطّة الرابعة لخوفهم مما ينتظرهم، وشعروا بالاحباط من المشوار الذي خصصته لهم الداخلية، وبدأوا الصلوات والتمنيات وطلبوا بكل امانة ان يُترك المشوار لوزارة السياحة فقط.