على وقع اللّقاءات الّتي أجراها وفد كتلة "اللقاء الديمقراطي" مع عدد من الأفرقاء السياسيين، خلال اليومين الماضيين، والمتّصلة بالملف الرّئاسي، أشارت مصادر موثوقة لصحيفة "الجمهورية"، إلى أنّه "كما استعان سفراء "اللجنة الخماسية" بمبادرة تكتل "الاعتدال الوطني"، واتكأوا عليها كقاعدة افترضوا انّها قد تفتح باباً لحوار رئاسي يفضي الى انتخاب رئيس بالتوافق في ما بين الأفرقاء المختلفة، استعان الفرنسيون بالصديق "الاشتراكي"، حيث طلب الموفد الفرنسي جان ايف لودريان من الرئيس السابق للحزب "التقدمي الاشتراكي" وليد جنبلاط القيام بمسعى مساعد لاختراق حاجز التعطيل، فاستجاب الأخير برغم إدراكه بصعوبة هذه المهمّة؛ واطلق تحرّكاً بقيادة ابنه النائب تيمور جنبلاط".
ولفتت إلى أنّه "إذا كانت هذه الاستجابة السريعة من قبل جنبلاط، تشكّل رافداً لجهود اللجنة الخماسية ولمهمّة لودريان الذي أكّد صراحة "أنّه لا يرى باباً لانتخاب رئيس الجمهورية سوى بالتوافق، إلّا أنّ آلية هذا التوافق ما زالت ضائعة"، فإنّها في الوقت ذاته، تأتي تأكيداً على المنحى الحواري التوافقي الذي يؤكّد عليه جنبلاط، ويتقاطع فيه مع مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه بري؛ كسبيل لإنجاز الاستحقاق الرئاسي في اقرب وقت ممكن".
وركّزت المصادر على أنّ "الحركة الجنبلاطية التي رمت الى تغليب منطق الحوار او التشاور، والتعجيل في الحسم الايجابي للملف الرئاسي، لا تلوح في أفقها بوادر خرق ايجابي، وخصوصاً انّ حجر التعطيل، وكما تبدّى من هذه الحركة، ما زال مزروعاً في الطريق، وحائلًا دون تلاقي الاطراف على طاولة التوافق على رئيس. وعند هذه النقطة، انتهى لقاء وفد "اللقاء الديمقراطي" مع رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع في معراب".
وذكرت أنّ "جعجع لم يبد تجاوباً مع المبادرة الجنبلاطية، بل كان متمسكاً بموقفه لناحية رفض الحوار او التشاور والتوافق المسبق على رئيس، وكذلك رفض ما تُسمّى اعرافاً تضرب الدستور. واعاد في الوقت ذاته، التأكيد على انّ الحل الرئاسي كما تراه "القوات"، يكون بالدعوة الى جلسة انتخاب مفتوحة، يُصار خلالها الى إجراء مشاورات جانبية"، موضحةً أنّ "أمّا بالنسبة الى رئيس الجمهورية، فإنّ "القوات" تريد رئيساً ليس من الممانعة ولا تابعاً لها، وبمعنى اوضح؛ رئيس ضدّ فريق الممانعة".
تقييم "اشتراكي"
وكشفت معلومات "الجمهورية"، أنّ "التقييم "الاشتراكي" لحركة اللقاءات التي أجراها وفد "اللقاء الديمقراطي" خلال اليومين الماضيين، تجنّب الحديث عن سلبيات علنية، الّا انّه المح اليها بعدم نفيه وجود نقاط خلافية، ينبغي ان تنتفي امام الحاجة الملحّة للبلد لانتخاب رئيس الجمهورية واعادة انتظام الحياة السياسية فيه؛ في ظرف هو الأقسى في تاريخ لبنان".
بري يؤيّد
بدروها، أكّدت مصادر عين التينة لـ"الجمهورية"، أنّ "بري المتمسك بمبادرته، يؤكّد انّه مع كل مسعى يؤسس للتلاقي والتوافق، وعلى هذا الاساس عبّر في مناسبات عديدة عن استعداده لتقديم كل ما يلزم من تسهيلات تخدم الوصول الى هذه الغاية. ومن هنا كان تجاوبه الى ابعد الحدود مع اللجنة الخماسية، وكذلك تجاوبه مع المنحى الحواري الذي اكّد عليه لودريان، وبين هذا وذاك تشجيعه لتكتل "الاعتدال".
ولفتت إلى أنّه "ضمن هذا السياق، قارَب مبادرة "اللقاء الديمقراطي" بإيجابية وترحيب، آملا أن تتمكن من تحقيق النتائج المرجوة منها. الّا انّه في الوقت نفسه، يعتبر انّ العقدة الأساس تبقى لدى رافضي التوافق، الذين كما هو واضح يريدون ابقاء الوضع على ما هو عليه، ولا يريدون للاستحقاق الرئاسي ان يُنجز".
مضيعة للوقت
في هذا السياق، رأى مسؤول كبير لـ"الجمهورية"، أنّ "كل الحراكات سواءً كانت من الداخل او الخارج، تبقى مضيعة للوقت، بوجود فريق مصرّ على الهروب من التوافق، ويعتقد وهماً، انّ في استطاعته ان يعدّل الميزان الداخلي لمصلحته ويفرض رئيساً خلافياً، متحّديا ذلك توجّه الشريحة الواسعة من اللبنانيين التي تتوق الى رئيس يوحّد اللبنانيين؛ وهو ما شدّد عليه وفد "اللقاء الديمقراطي" في لقاءاته".
واعتبر أنّه "إن دلّ هذا الإمعان في التعطيل وتحدّي التوافق والاستسلام لوهم العظمة على شيء، فعلى إصرار هذا الفريق على تعميق الأزمة وإبقاء الدولة على شللها"، مؤكّدًا أنّ "رفض التوافق ليس بريئاً، فهو تعطيل للتعطيل لا اكثر ولا أقل، ولكن هذا الوضع يستحيل ان يستمر الى ما لا نهاية، حيث انّ الجميع، وفي مقدّمهم هؤلاء، سيخضعون في نهاية الامر لمنطق التوافق".
ورداً على سؤال حول انّ الحوار الرئاسي والتوافق على رئيس للجمهورية يجافيان الدستور، شدّد المسؤول عينه على أنّ "هذه التفسيرات السياسية والهمايونية للدستور، هي التي تضرب الدستور الذي ينص على وجوب الوفاق الوطني في كل شيء، وخصوصاً في بناء المؤسسات الدستورية كلها، حيث حدّد آليات هذا الوفاق، ومنها آلية انتخاب رئيس الجمهورية".
وأشار إلى أنّ "الدستور أوجب لانعقاد جلسة الانتخاب وانتخاب رئيس الجمهورية اكثرية ثلثي اعضاء المجلس النيابي اي 86 نائباً، وهذا النصاب يعبّر عن اوسع توافق، حيث انّه يجمع أكثرية القوى الوازنة في البلد"، متسائلًا: "كيف يتمّ توفيره بين قوى مختلفة لكل منها توجّهاتها السياسية التي تتقاطع او لا تتقاطع مع القوى الاخرى؟ هل يتوفر هكذا عفواً، أم انّه يتوفر بالتواصل والتوافق عليه؟".
وأضاف: "يجب الّا ننسى انّ هذا التوافق ليس وليد اللحظة الراهنة، بل هو عرف معتمد، ما يعني أنّه حتى يتمّ توفير هذا النصاب والتوافق يجب الالتزام بالعرف المعتمد اقلّه منذ سريان اتفاق الطائف، وتحت سقف هذا التوافق نجري الانتخابات الرئاسية".
الموفد القطري في بيروت: تأكيد للحضور وطموح لأدوار أكبر
على صعيد متّصل بالملف الرّئاسي، أفادت صحيفة "الأخبار" بأنّه "في وقت تلبّي القوى السياسية دعوات لزيارة الدوحة، في إطار المحاولات القطرية لإحداث خرق ما في الملف الرئاسي، زار الموفد القطري أبو فهد جاسم آل ثاني بيروت مطلع الأسبوع الفائت، لثلاثة أيام، التقى خلالها عدداً من القوى السياسية، أبرزها رئيس "التيار الوطني الحر" النائب جبران باسيل، رئيس حزب "الكتائب اللبنانية" النائب سامي الجميل، رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع، ممثل عن "التكتل السياسي المستقل"، وآخر من نواب التغيير".
وأوضحت مصادر مطّلعة للصحيفة، أنّ "أبو جاسم استكمل البحث في "إمكانية توليد حركة سياسية داخلية غير مستفزّة، تؤدي إلى فتح أبواب مجلس النواب لحوار وطني برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري". ووَضعت "الليونة" التي أبداها الجميل للحوار أمام الموفد الفرنسي جان إيف لودريان، وكلام باسيل في إطلالته الإعلامية الأخيرة عن تأييده للحوار، في هذا السياق.
ولفتت المصادر إلى أنّ "الموفد القطري يحاول الاستفادة من حصيلة اجتماعات كتلة "الاعتدال" الأخيرة، ومن حراك الحزب "التقدمي الاشتراكي" والجولة التي بدأها "اللقاء الديمقراطي" على القوى السياسية"، مركّزةً على أن "الدوحة تراهن على استمالة جزء من المعارضة كحزب "الكتائب"، وجزء من النواب السنّة، إضافة إلى باسيل، ما سيُحرج القوى السياسية الأخرى الرافضة للحوار، وفي مقدّمها حزب القوات".
ووضعت زيارة أبو جاسم، في إطار "تأكيد الحضور القطري"، في حين ذهبت مصادر أخرى أبعد من ذلك بالإشارة إلى "محاولة قطرية لاستفزاز الرياض، التي يُنقل عنها انزعاج كبير من الدور المُعطى لقطر"، خصوصاً في ظل تسريبات عن استمرار الأخيرة في الدفع إلى مشروع "الدوحة 2"، وهو ما كان موضع نقاش مع القوى السياسية التي زارت قطر أخيراً.
كما توقّفت مصادر متابعة، عبر "الأخبار"، عند اختلاف المقاربة القطرية للملف اللبناني، مقارنة مع ما كانت عليه عام 2008، في أعقاب اتفاق الدوحة. "ففي حينها نتج عن الاتفاق الإتيان بميشال سليمان رئيساً للجمهورية، من دون أن يكون لقطر دور أبعد، فيما هي اليوم تتحمّس للعب دورٍ في الملف، انطلاقاً من رغبتها في أن تكون لديها حصّة من البلد وقطاعاته، بدءاً من الغاز، مروراً بسؤالها عن القطاع المصرفي ودمج المصارف المتعثّرة، والتفكير في استثمارات في قطاع السياحة".
لودريان غادر بانطباع واحد: جعجع هو المعطّل
من جهتها، اعتبرت صحيفة "الديار"، أنّ "رئيس الحزب "التقدمي الاشتراكي" تيمور جنبلاط كسر الجمود الرئاسي، واخذ على عاتقه اخذ المبادرة بالتحرك باتجاه مختلف الكتل، بمسعى هدف بالدرجة الاولى لتقريب وجهات النظر بين الافرقاء المتخاصمين رئاسيا".
وجزمت أوساط الحزب عبر "الديار"، أنّ "تحرّك الاشتراكي لا يرقى إلى حد المبادرة، فلا اسماء تُطرح ولا الية وضعت، انما هدفه الاساس السعي لايجاد مساحة مشتركة، يمكن التأسيس عليها لإخراج انتخاب رئيس الجمهورية من ثلاجة الانتظار".
وذكرت الصّحيفة أنّ "جنبلاط الاب لبّى طلب فرنسا، فبدأ جنبلاط الابن حراكه باتجاه المعنيين، وفي مقدمهم معراب وميرنا الشالوحي، بعدما كان الوزير السابق غازي العريضي قد استهل النقاش مع الثنائي الشيعي، قبل يوم من انطلاق تيمور والوفد الاشتراكي باتجاه رؤساء الكتل".
وأفادت معلومات "الديار"، بأنّ "في اجتماع العريضي مع كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري، كما المعاون السياسي لامين عام "حزب الله" حسين الخليل، سمع العريضي كلاما واضحا بداية من بري حول موضوع الحوار، مفاده: "سمّه ما شئت سواء كان حوارا او تشاورا او نقاشا، لكن هناك اصول، وهناك مجلس نواب واي تشاور او حوار يجب ان يترأسه رئيس البرلمان"، مبيّنةً أنّ "بري توجّه للعريضي بالقول انه "حلحلا" مع لودريان وقبل بدل الحوار بالتشاور لكن لا يمكن تخطي رئيس المجلس".
وكشفت أنّ "هذا الكلام نفسه عاد وسمعه العريضي عند حسن الخليل، الذي اكد للعريضي ان "حزب الله" مع بري في هذه النقطة"، مؤكّدةً أنّ "هذا في الشكل، اما في المضمون، فقد حرص الثنائي الشيعي على التأكيد للعريضي على استعدادهم للنقاش المفتوح، مع الحرص على التأكيد في الوقت نفسه ان هذا الامر لا يعفيهم من استمرار التمسك بمرشحهم رئيس تيار "المردة" سليمان فرنجية، سائلين: هل من المعيب ان يكون لدينا مرشح؟ فنحن منفتحون للنقاش لكن لدينا مرشح واضح اسمه".
وفي اطار الحديث عن الاسماء، علمت "الديار" من مصادر موثوق بها، ان "لودريان طرح مع بعض من التقاهم في بيروت، فكرة ازاحة سليمان فرنجية من المعادلة، وبدء الحديث عن خيار واسم رئاسي ثالث، لكن هذا الكلام لم يأت على ذكره الموفد الفرنسي خلال لقائه بري كما مع رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" محمد رعد".
وشدّدت أوساط متابعة للقاءات التي اجراها لودريان مع المعنيين في بيروت، على أن "الفرنسيين باتوا مقتنعين بان "القوات" ورئيسها سمير جعجع هو من يعقّد الملف الرئاسي، ويمتنع عن التسهيل حتى بموضوع الحوار، ايمانا من "القوات" بان كل ما يحصل لن يجدي نفعا، والمطلوب هدم الهيكل على رؤوس الجميع تمهيدا لاعادة الترميم من الاساس".