أكانَ بَحَّارَةُ صورَ يُدرِكونَ أنَّ إبتِكارَهُمُ لِلَفظَتَينِ سامِيَّتَينِ تُحَدِّدانِ مَسارَ النورِ الدافِقِ مِنَ السَماءِ: Ereb وَمِعناها مَغيبُ الشَمسِ، وَAssou مَشرِقُها، وإعتِمادَهُما مِن مواطِنيهِمِ حَدَّ إستِقامَةِ سِرِّ مَساحاتِ الأرضِ، سَيُطلِقُ عَهدَ الخُروجِ مِنَ العُزلاتِ الى عُبورِ الإستِحالاتِ؟ Assou سَتَغدو آسيا مَطالِعَ دِفءِ النورِ، وَEreb أوروبا دِفقَ إندِفاعِ الأَمامِ.

Ereb-أوروبا، إسمُها كَلَّلَت بِهِ صورُ إبنَةَ مَلِكِها أجينورُ بِن بوسَيدونَ وليبيا، ألزَوجَتُهُ تيليفاسا.

هي شَقيقَةُ قُدموسَ، "مُعَلِّمُ مُعَلِّمي العالَمِ"، وَفينيكسُ وَسيليكسُ وَتاسوسُ وَفيني. بِها، دونَ سِواها، سَيُغرَمُ إلَهُ آلِهَةِ الإغريقِ، مَعبودُ آلِهَةِ الأولَمبِ: زوسُ. وَلِأجلِها سَيَترُكُ أرضَهُ وَذَرِيَّتَهُ وَعِبادَهُ، مُتَوَدِّداً حَدَّ التَنَكُّرِ لِذاتِهِ الألَهِيَّةِ كَسباً لِنَظرَةٍ مِنها. وإذ إختَطَفَها، حَمَلَها لِكريتَ، جَزيرَةِ الوَلَهِ مُذ ذاكَ، وَقَدَّسَها زَوجَةً-إلَهَةً.

وَهي نَظرَةٌ مِنها إبتَغاها. وَلِكَفايَتِها، كَرَّسَ إسمَها: εὐρύς/eurús أيّ الرحابَةُ الشاسِعَةُ، وὤψ/ṓps وَمِعناها العَينُ الأخَّاذَةُ، وأطلَقَهُ على تِلكَ الأرضِ-القارَّةِ.

بِها أوَّلُ مَن تَغَنَّى شاعِرُ الإغريقِ Hêsíodos في القَرنِ الثامِنِ قَبلَ الميلادِ، لِيَتبَعَهُ بَعدَ ثلاثَةِ قُرونٍ مُؤَرِّخُهُمُ هيرودوتُ مُحَدِّدُ إمتِدادِ جُغرافِيَّتِها "مِن فينيقيا الى كريتَ، وَمِن كريتَ الى ليسيا-اناطوليا، وَمِنها الى مُنتَهى الأرضِ غَرباً والدانوبَ وَما فَوقِهِ شَمالاً".

وَبِها سَيَتَغَنَّى شاعِرُ روما الناشِئَةِ Publius Ovidius، ألمِن قَصائِدِهِ سَتُشيدُ بومباييِّ جُدرانِيَّاتِها لِتَمجيدِها.

أوروبا-الأميرَةُ-القارَّةُ. المَظالُ. نَقيضَةُ عَبَثِ الدَوَرانِ فَوقَ هُوَّةِ العَدَمِ... مِن أجلِ الأواتِي، لِكَيما تَكونَ لا مِن مَرارَةِ المُفاضِ بالدُموعِ.

لَكِنَّ روما شاءَت عَكسَ ذَلِكَ. هي أرادَت لِلمُفاضِ أن يَتَحَقَّقَ بَينَ المُتَناهي واللامُتَناهي، لإقصاءِ الحُرِيَّةِ: فَكَرَّسَت طاغوتَ تَقيِّيدِ الإنسانِ بإستِنزافِ إستِعباداتِهِ حِتَّى الرَمَقِ الأخيرِ، وَسَيطَرَت على العالَمِ القَديمِ كُلِّهِ. قَسَّمَتهُ، وَعَلَيهِ نَصَّبَت أذرِعَةً تَستَولِدُها، تُديرُها، وَتوهِمُها بِتَفَوُّقِ البَطشِ. وَهمٌ موحِشٌ، فَتَّاكٌ، مُظلِمٌ، أسمَتهُ "السَلامٌ الرومانِيُّ. Pax Romana".

أُمَّوِيَّةُ أميرَةٍ مِن لبنانَ

هل إختَفَت حينَها أوروبا، تَهجِئَةُ الحُبِّ؟ بَل إنكَشَفَت جَديدَةً لِعالَمٍ جَديدٍ مَعَ المَسيحَيَّةِ: لَيلَةَ عيدِ المِيلادِ، مِنَ العامِ 800، حينَ تَوَّجَ الحَبرُ الأعظَمُ شارلُمانَ، مَلكَ الفَرَنجَةِ، إمبراطوراً، في روما... ثَلاثَةَ قُرونٍ بَعدَ إنهيارِ الإمبراطورِيَّةِ الرومانِيَّةِ. عَمَّدَ نَفسَهُ: "Pater Europea"، مُتَعَهِداً أن تُكَرِّسَ أُبوَّتُهُ قارَّةً تَسمو أُمَماً حافِظَةً لِكَرامَتِها الذاتِيَّةِ وَمُتَضامِنَةً في وِحدَةِ تَنَوُّعِها، مِثالُها المُدُنُ-الدُوَلُ الفينيقِيَّةُ الُلبنانِيَّةُ، وَطَليعَتُها صورُ ألمِنها أميرَةُ لبنانَ.

هي أُمَّوِيَّةٌ رِيادَتُها الإنسانُ وَما فَوقَ-الإنسانِ. مِن طَبيعَةٍ وَروحٍ. مِنَ الخَلقِ الجَمِّ أتَت وَإلَيهِ تَمضي. فيها، يَتَوَزَّعُ فِعلُ الحَياةِ، تَلاحُماً خَليقاً بِمَنظومَةٍ.

أنَجَحَت؟ شارلُكانُ فَشِلَ بِتَرميمِها بَعدَ شارلُمانَ، فإعتَزَلَ الحُكمَ وَتَزَهَّدَ. بونابَرتُ هَمَسَ لِلحَبرِ الأعظَمِ يَومَ تَوَّجَهُ إمبراطوراً: "أنا لَستُ خَليفَةَ لويسَ السادِسَ عَشَرَ، بَل... شارلُمانَ!" حاوَلَ بالسَيفِ، وَبالسَيفِ أُخِذَ لِلمَنفى. وَصولاتُ الطَواغِيتِ أدماها حَدَّ الإطاحَةِ بِها بِحَربينِ عالَمِيَّتَينِ كانَتا حَربَينِ أهلِيَّتَينِ أوروبِيَّتَينِ تَمَدَّدَتا.

"أيا فَرَنسا، وَروسيا، وإيطاليا، وإنجلِترَّا، وألمانيا، وَكُلَّ دُولِ القارَّةِ، سَيأتي يَومٌ، وَمِن دونِ فُقدانِ صِفاتِكُنَّ المَمَيَّزَةِ وَفردِيَّتَكُنَّ المَجيدَةِ، سَتَندَمِجنَ بِشَكلٍ وَثيقٍ في وِحدَةٍ مُتَفَوِّقَةٍ، وَتَخلُقنَ الأُخُوَّةَ الأُوروبِيَّةَ"، صَرَخَ فيكتورُ هوغو في "مؤتَمَرِ باريسَ لِلسَلامِ" العامِ 1849... وَبَعدَهُ بِ141 عاماً، مَعَ سُقوطِ جِدارِ العارِ بِبِرلينَ، هَتَفَ ميلانُ كوندِيرا: "ها قَد تَحَرَّرَت أوروبا المَخطوفَةُ".

أُمَّوِيَّةُ أوروبا-الأميرَةُ-القارَّةُ... لُبنانِيَّةٌ.

هي قُوَّةُ قِيَمٍ. وِحدَةُ آفاقٍ لِحَقيقَةِ مَصيرٍ. بِتَمايُزِها إرتِقاءً يَكونُ لبنانُ... وَتَكونُ أوروبا. أبَداً.

تِلكَ مَسؤولِيَّةُ لبنانَ... وَفاءً لِأميرَتِهِ!.