على وقع إستمرار المواجهات العسكرية بين "​حزب الله​" و​الجيش الإسرائيلي​، يستمر السعي من قبل الجانبين إلى توجيه الرسائل النارية، بالتزامن مع تلك السياسية، التي تحمل معها الكثير من الأبعاد، بالنسبة إلى مستقبل الصراع على مستوى الجبهة الجنوبية.

منذ أشهر، كان من الواضح أن تل أبيب لم تعد قادرة على تحمّل ما يحصل على هذه الجبهة، خصوصاً بعد أن تحولت إلى عامل ضغط على أوضاعها الداخلية، لا سيما من قبل سكان المستوطنات الشماليّة، ولذلك لجأت إلى رفع مستوى التهديدات، التي كانت تتولى العديد من الجهات الدولية نقلها إلى الجانب اللبناني، لناحية ضرورة الوصول إلى حلّ دبلوماسي أو الذهاب إلى الحرب الشاملة.

في المقابل، لم يتراجع "حزب الله" عن موقفه، الذي أعلنه منذ اليوم التالي لعملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول، لناحية الإستمرار بالقتال على هذه الجبهة، حتى وقف ​العدوان الإسرائيلي​ على غزة، وهو ما قاد تل أبيب إلى رفع مستوى عملياتها العسكرية على عدة مستويات، في حين كان الحزب، بالتزامن مع إلتزامه بمعادلة الرد على التوسيع بالتوسيع المقابل، يحاول عدم الإنزلاق إلى "الفخ" الإسرائيلي، لناحية المبادرة إلى الحرب الشاملة من قبله.

إنطلاقاً من ذلك، تقرأ مصادر متابعة، عبر "النشرة"، الإرتقاء بعمليات الحزب العسكرية، طوال الأشهر الماضية، حيث تربط ذلك بأمرين أساسيين: الأول هو تنامي ​التهديدات الإسرائيلية​ بشنّ عدوان شامل على لبنان، أما الثاني فهو الإرتقاء ب​العمليات العسكرية​ التي تقوم بها تل أبيب، وتشير إلى أن الحزب أراد، من خلال ذلك، ردع إسرائيل من التفكير بخيار العدوان الشامل، إلى جانب السعي لمنعها من فرض معادلات جديدة.

وتلفت هذه المصادر إلى أنّ هذا هو السبب الرئيسي في كشف الحزب عن قدرات لديه تتعلق بالتعامل مع الطيران الحربي، بدءاً من يوم الأحد الماضي، من دون أن يبادر إلى إسقاط الطائرة التي تم إطلاق الصاروخ باتجاهها، حيث توضح أن الهدف، على الأقل حتى الآن، هو رسالة إلى تل أبيب، تتعلق بالمعادلات المرتبطة بسلاحها الجوي، إذ كانت تعتبر تاريخياً أنه يمثل عامل تفوق لها في الحرب.

بالنسبة إلى المصادر نفسها، هذا التطور لا يعني أن "حزب الله" يريد أن يذهب إلى الحرب الشاملة، بل هو يصب في إطار الردع الذي يحول دون الذهاب إليها، لأنه يدفع الجانب الإسرائيلي إلى مراجعة حساباته، بعد أن كان الحزب قد فرض معادلات أخرى تتعلق بسلاح المسيّرات أيضاً، وتؤكّد أنّه ما كان ليكشف عن هذه القدرة فيما لو لم تكن لديه قدرات أكبر، على قاعدة الحفاظ على عنصر المفاجأة.

في هذا السياق، يوضح العميد الركن الطيار المتقاعد أندره أبو معشر، عبر "النشرة"، أن هذا التحوّل لا يعني تغيير المعادلة على مستوى المعركة الشاملة، خصوصاً أن الجانب الإسرائيلي تبقى لديه قدرات عسكرية جويّة هائلة، لكنه يلفت إلى أنه يعني حرمان تلّ أبيب من السيطرة أو التفوّق الجوّي المطلق فوق حقل المعركة، مع العلم أنّها كانت تعلم أن لدى الحزب هذا النوع من القدرات، لكن الأساس هو توقيت الإستخدام.

ويشير أبو معشر إلى أن إستخدام هذا النوع من الصواريخ هو أيضاً بمثابة رسالة من جانب الحزب إلى إسرائيل، بأنه إذا كانت تنوي الذهاب إلى التصعيد فهو يملك قدرات على مستوى ​الدفاعات الجوية​، وبالتالي المعركة ستكون غير مضمونة النتائج وقد تقع خسائر فيما تعتبره إسرائيل درة التاج لديها، أي سلاحها الجوي الذي يمثل العمود الفقري لأي معركة تقوم بها، ويعطي مثالاً على ذلك يتعلق بإسقاط إسطورة دبابة "الميركافا" عبر صواريخ الكورنيت، خلال عدوان تموز 2006، من أجل الإشارة إلى أنه قد يكون لدى الحزب إمكانيات معينة على المستوى الجوي، خصوصاً أنه لم يكشف نوع الصواريخ التي قام بإستخدامها.

أما بالنسبة إلى تعمد الطيران الحربي الإسرائيلي، بعد هذا التطور، إستخدام جدار الصوت و​البالونات الحرارية​ بشكل أكبر من السابق، يوضح أبو معشر أن جدار الصوت يتعلق بالحرب النفسيّة، أي توجيه رسالة من قبل إسرائيل بأنها هنا وليس هناك من مكان غير قادرة على الوصول إليه، وهو لا علاقة له بالعمليّات القتالية، حيث أن أقصى ما قد يتسبب به هو تحطيم الزجاج.

أما البالونات الحراريّة، فيشير إلى أنّ هدفها حماية الطائرات من أيّ تهديد، من خلال جذب الصواريخ خاصة تلك التي تعمل على تتبع البصمة الحراريّة للطائرات الحربيّة، ويزداد إستخدامها مع إرتفاع التهديد، لافتاً إلى أن الصواريخ قد تعتمد على عدة تقنيات لتتبع الهدف الجوي واسقاطه، كتتبع البصمة الحرارية أو تتبع الهدف بواسطة أشعة اللايزر وغيرها من التقنيات، إنما الأكثر شيوعاً واستخداماً هي تلك التي تعتمد على تتبع البصمة الحرارية.