أشار راعي أبرشية بيروت للموارنة المطران بولس عبد الساتر، في قداس بمناسة ذكرى انفجار ​مرفأ بيروت​ في كاتدرائيّة مار جرجس المارونيّة في وسط بيروت، إلى "أننا نلتقي لنرفع معًا الصلاة على نيّة ​السلام​ في وطننا العزيز ​لبنان​ ولأجل راحة أنفس إخوتنا وأخواتنا شهداء وضحايا ​الانفجار​ الجريمة والمأساة ولنعلن تضامننا ومحبّتنا لمن لا يزالون يتألمون جسديًّا ونفسيًّا وروحيًّا حتى يرتاحوا من آلامهم وتكون لهم الحياة الكريمة".

وقال "الشكر لله الابن الذي انتصر على كلّ موت بطاعته لله الآب وببذله لذاته لأجلنا وبقيامته من القبر في اليوم الثالث والذي كان حاضرًا مع إخوتنا وأخواتنا الذين سقطوا ذاك المساء ضحيّة ​الفساد​ والحقد والإهمال ليحتضنهم ويُسمعهم كلمات حبّه وحنانه وليضع على رؤوسهم إكليل العزة وليضمِّد جراحهم القاتلة ببلسم عزائه ويُدخلهم ملكوته فيحيوا في قلبه إلى الأبد حياة لا ألم فيها ولا دمع، والشكر لله الروح الذي ينفخ فينا نحن الحزانى العزاء ونحن المتألّمين الصبر والرجاء ونحن الغضوبين السلام والغفران ونحن المحتارين والذين أصابنا اليأس الحكمة والأمل وروح المثابرة في العمل من أجل القضية حتى تبلغ خواتيمها الحقة".

وشدد عبد الساتر على أنّ "4 آب ليس مجرّد ذكرى بالنسبة إلينا لأننا لم ننس ولن ننسى. إنه تذكير لنا جميعًا بأنَّ كلَّ إنسان إذا ما أسلم ذاته للشر وسعى بطريقة عمياء خلف السلطة والمال غير آبه بمن حوله يتحوّل حتمًا إلى كاسرٍ يفترس البشر والحجر ويسبّب المآسي العظام"، مضيفًا "4 آب هو تذكير لكلِّ مسؤول، مهما صغرت مسؤوليّته بأنه إن أهملها فهناك حتمًا ضرر على أهله ووطنه وأنه وإن أفلت من عدالة القضاء على هذه الأرض بسبب نفوذه وألاعيبه، فإنه سيواجه ربَّه الذي سيحاسبه على إهماله واستهتاره بحياة إخوته وأخواته ولن ينفعه حينها نفوذه أو حِيَله. فحريّ به أن يقوم بواجباته دومًا وإن أخطأ فليعترف بخطيئته ويطلب الغفران من الله ومن أخيه حتى يسلم من البكاء وصرير الأسنان الأبديين. 4 آب هو دعوة يوجهها أهالي ​الشهداء​ والضحايا مع كلِّ الجرحى والمتضررين إلى إخوتهم وأخواتهم في الوطن ليستمروا في الضغط وإياهم على السلطة السياسيّة والقضائيّة حتى تُكشف الحقيقة كاملة حول ما جرى في مرفأ بيروت وتُعلن أسماء المسؤولين من أجل ​المحاسبة​ والتعويض".

ولفت إلى أنّ "4 آب هو دعوة إلى العودة إلى ​التضامن​ الذي رأيناه صباح الخامس من آب 2020 حين هرع اللبنانيون، شبابًا وبالغين، من كل المناطق ليقفوا إلى جانب أهلهم في بيروت. علينا جميعًا أن نحافظ على هذا التضامن الذي كان بارقة أمل لاستمرار لبنان وسط المأساة وأن لا ندعه يموت ضحية التعصّب السياسي أو الديني الذي يحرّكه البعض من أجل أن يحافظ على مكانته وماله ومصالحه الشخصيّة أو لكي يزيد حجمه أو ليربح عطف جماعته فيُسمعها ما يدغدغ مشاعرها ويحاكي شهوتها ولو كان باطلًا، و4 آب هو دعوة موجهة إلى كل مواطن ومواطنة أصيل إلى أن يعيش الاستقامة ويتحمّل مسؤوليّته الوطنيّة ويتوقف عن التزلم للفاسد من أجل ثلاثين من الفضة وينادي بالحق ويعمل على إحقاقه مهما طال الزمن وقوي الظالمون".

وقال عبد الساتر: "يسألون كيف تنتهي أوطان عمرها من عمر الزمن، فأجيب: تنتهي هكذا أوطان حين يفسد الحكام ويصمت الشعب وينسى. وحين يموت الأبرياء ويصمت الشعب وينسى. وحين تنتهك الحقوق وتسرق الأرزاق ويصمت الشعب وينسى. وحين يُسجن الضمير في حبس الأنانيّة والتعصّب ويصمت الشعب وينسى. وحين يقع انفجار كانفجار مرفأ بيروت ويصمت الشعب وينسى. فعلينا أن نطالب بالحق لأصحابه وعلينا أن نتذكر وأن نجاهد من أجل حماية الحياة وكرامة الإنسان، وأن نواجه الفاسدين ونحاسب المهملين والمسببين مهما طال الزمن حتى يبقى وطننا ويبقى وطن الحرية والإنسان".