لا يمكن إنكار أن عملية ​إغتيال​ رئيس المكتب السياسي لحركة "​حماس​" إسماعيل هنية، في العاصمة الإيرانية طهران، والقيادي العسكري في "​حزب الله​" فؤاد شكر، في الضاحية الجنوبية لبيروت، يمثل نجاحاً لتل أبيب، خصوصاً على المستوى الإستخباراتي، بالرغم من علامات الإستفهام حول قيامها بذلك من دون دعم ومشاركة قوى أخرى، أبرزها الولايات المتحدة الأميركية، إلا أن مسار الأحداث، بعد ذلك، يفرض البحث في النتائج التي حققتها من الناحية العملية، في ظل التأكيدات بأنها ستكون على موعد مع ردّ مشترك أو ردود متفرقة من قبل المحور المقابل.

البحث في هذه المسألة يتطلب، بحسب مصادر مطلعة لـ"النشرة"، التطرق إلى مجموعة من العناوين، التي تبدأ من مسارعة القوى المعنية، أي "حزب الله" وحركة "حماس"، إلى ملء الفراغ الذي خلّفته عمليتا الإغتيال، بشكل يؤكد أنهما ليسا في وارد التراجع، وهو ما كان متوقعاً إنطلاقاً من تجاربهما التاريخية، فالحزب لم يتأخر في إستئناف عملياته العسكرية بشكل أكبر، في مؤشّر على أنه مستمر بالعمل الذي كان قد بدأ به في الثامن من تشرين الأول الماضي، في حين أن "حماس" ذهبت إلى إختيار رئيسها في غزة ​يحيى السنوار​ خليفة لهنية، في رسالة عبّرت عن أن إغتيال رئيس مكتبها السياسي دفعها إلى التمسك أكثر بخيار المواجهة.

بالنسبة إلى هذه المصادر، ما تقدم يعني أنّ الجانبين قررا إفراغ الخطوات ​التصعيد​ية التي بادر إليها رئيس الوزراء ال​إسرائيل​ي بنيامين ​نتانياهو​، بعد عودته من الولايات المتحدة، من مضمونها، الذي يشتمل بشكل رئيسي على رسالة ردعيّة لهما، في حين كان يظن أنها من الممكن أن تقدم له صورة النصر المطلق التي كان يطمح لها، وتساعده في استعادة قوة تل أبيب الردعية، التي كانت قد تهشمت بعد عملية "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول الماضي.

أبعد من ذلك، تلفت المصادر نفسها إلى ان من الناحية العسكرية هناك مجموعة من النقاط، التي تحتاج المزيد من البحث لاحقاً، تبدأ من معادلة حاجة اسرائيل إلى الحماية من مختلف حلفائها مع تزايد ​التهديدات​، بعد أن كان يقدم التحالف معها وسيلة لإقناع بعض دول المنطقة بالذهاب إلى التطبيع معها، بينما لا يمكن تجاهل إرتفاع مستوى التهديدات التي تتعرض لها، حيث أنّها اليوم في موقع المنتظر للردود، بعيداً عن سرديّة أن نتانياهو يريد جرّ المنطقة إلى الحرب الشاملة، على قاعدة أنّه لو كان قادراً على ذلك ما كان ليتردد.

على صعيد متّصل، تشير مصادر متابعة، عبر "النشرة"، إلى وجود عوامل أخرى لا تقل أهميّة، منها على سبيل المثال التداعيات الإقتصاديّة، نظراً إلى أنّ حجم الخسائر يرتفع بسبب الإجراءات ​الأمن​يّة التي اضطرت تل أبيب للذهاب إليها، وهو ما سيكون له تداعيات أخرى على مستوى الإستثمارات الخارجية في المرحلة المقبلة، من دون تجاهل عامل أساسي يتعلق بنظرة المستوطنين إلى مستقبلها، حيث سقطت نظريّة أن إسرائيل هي المكان الآمن بالنسبة لهم، وهو ما أكده الإرتفاع في معدّلات الهجرة على مدى الأشهر الماضية من الحرب.

بالإضافة إلى ما تقدم، ترى المصادر نفسها ضرورة مقارنة الواقع الحالي بأهداف الحرب، التي كانت القيادة الإسرائيليّة قد وضعتها، خصوصاً لناحية إستعادة الأسرى والقضاء على "حماس"، حيث تعتبر أنّ الوقائع المستجدة أضعفت من إمكانيّة الوصول إلى إتفاق يقود إلى إستعادتهم، في حين فشلت في القضاء على الحركة، أو بالحد الأدنى على قياداتها الأساسية، لا بل أن الأخيرة ذهبت إلى تعيين السنوار رئيساً لها، في إطار الرد على التصعيد بما هو أكبر منه.

في المحصّلة، تلفت هذه المصادر إلى أنّ الهدف الوحيد، إلى جانب التصفية الجسديّة، الذي قد يكون حقّقه نتانياهو، هو رفع وتيرة التصعيد في المنطقة، ما قد يعكس رغبته بجرّها إلى الحرب الشاملة خدمة لمصالحه الشخصية، لكن الأكيد أنّ القرار بذلك ليس بيده وحده، لا بل حتى المؤشّرات عليه غير متوفّرة، أما بحال حصوله فهو، على الأرجح، لن يقوده إلا إلى الغرق أكثر.