على وقع المراوحة المسيطرة على مختلف الجبهات الدّاخليّة، أشارت صحيفة "الجمهورية" إلى أنّ "الجامع المشترك بين هذه المراوحات الأمنية والسياسية والحكومية، بحسب مقاربة رسمية متشائمة لهذا الوضع، هو أنّ أفقها جميعها، لا يَشي بانفراجات، بل هي مفتوحة على احتمالات مجهولة بالنظر إلى تعقيداتها العميقة".

وأوضحت أنّ "على الجبهة الجنوبية، وفق هذه المقاربة الرسمية المتشائمة، تُجمِع التقديرات السياسية والعسكرية على أنّها الأخطر في ظلّ التفلّت الإسرائيلي من اتفاق وقف إطلاق النار، وأخطر ما يُحيط بهذا الأمر، ليس فقط ما يبدو أنّه تجاهل متعمّد لمطلب ​لبنان​ للدول الراعية لاتفاق وقف النار وتحديداً الولايات المتحدة الأميركية، بإلزام إسرائيل باحترام هذا الاتفاق ووقف عدوانها، بل هي المخاوف، التي بُدِئ يُعبّر عنها بصَوت عالٍ في أوساط سياسية ودبلوماسية؛ من سيناريوهات حربية أكثر قساوة واتساعاً".

وبيّنت الصّحيفة أنّ "على الجبهة السياسية، انقسام غير قابل للرّدم، وظيفته التوتير والتصعيد. أمّا على الجبهة الحكومية، فجمرٌ كامنٌ تحت رماد الإنفعالات والإحتقانات والمشاعر المتبادلة والملفات الحارقة، وقابل لأن يطفو على السطح في أيّ لحظة، على رغم من الجهود الرئاسية والسياسية التي تُبذل لإطفائه؛ ومنع تثبيت قواعد إشتباك وتوتير بين وقت وآخر داخل الجسم الحكومي".

لزوم ما لا يلزم

وسط هذه الأجواء، يُنتظر وصول نائبة الموفد الأميركي إلى المنطقة ​مورغان أورتاغوس​ إلى بيروت، خلال الأيام القليلة المقبلة. وفيما ذهبت بعض التقديرات إلى وصف زيارة أورتاغوس المرتقبة بأنّها زيارة وداعية... ولزوم ما لا يلزم، لفت مسؤول رفيع لـ"الجمهورية"، إلى "أنّني لا أستطيع أن أنفي أو أؤكّد ما إذا كانت أورتاغوس ستبقى في موقعها أو ستُستبدَل، خصوصاً أنّه لم يصدر أي تأكيد رسمي أميركي حول هذا الأمر. وفي أي حال وحتى ولو كان خبر استبدال أورتاغوس صحيحاً، فبمعزل عن الأسباب، فهذا لا يُغيّر شيئاً بالنسبة إلينا، فالأشخاص يتغيّرون، أمّا ​سياسة​ الولايات المتحدة فهي عينها لا تتغيّر بتغيّر الأشخاص".

الوزير الإيراني

وفي سياق الحضور الخارجي في لبنان، يزور وزير الخارجية الإيرانية ​عباس عراقجي​ بيروت اليوم، وسط تساؤلات حول موجبات هذه الزيارة في هذا التوقيت بالذات.

وأكّد مصدر قيادي كبير في محور "الثنائي الشيعي"، لـ"الجمهورية"، وجوب "عدم المبالغة في التفسيرات، وكذلك عدم المبالغة في الفرضيات غير الواقعية والتعاطي بعدائية مع إيران، فالزيارة وفق مُمهّداتها تندرج في سياق الجولات التي يقوم بها وزير الخارجية الإيرانية على العديد من دول المنطقة، وأمر طبيعي أن يزور لبنان، شأنه في ذلك شأن أي مسؤول من دولة صديقة. وإيران دولة صديقة وتربطها بلبنان علاقات وثيقة به دبلوماسية وغير دبلوماسية، وسبق لها أن أعلنت على لسان أكثر من مسؤول إيراني بأنّها إلى جانب جهوزيتها لتقديم المساعدات، تحترم سيادة لبنان، وحريصة على علاقات ممتازة معه؛ وعلى عدم التدخّل في شؤونه الداخلية".

وركّز على أنّه "ربما قد فات بعض الداخل عندنا بأنّ الدول العربية، ولا سيما دول الخليج وتحديداً السعودية وقطر والإمارات، تُقيم علاقات شهر عسل مع إيران، والزيارات متتالية في ما بينها على مستوى كبار المسؤولين، فضلاً عن أنّ ايران في مفاوضات مع الأميركيِّين في ما خصّ الاتفاق النووي، والرئيس الأميركي دونالد ترامب يتحدّث عن اتفاق وشيك. فإنّ تمّ هذا الاتفاق، فارتداداته الإيجابية ستنسحب على دول المنطقة، ولبنان لن يكون معزولاً عن تلك الإيجابيات في المنطقة، بل ستنعكس عليه، بما يفتح آفاقاً كبرى لمزيد من الإنفراج والاستقرار".

عراقجي في بيروت... زيارة أبعد من مناسبة توقيع كتاب

في السّياق، أفادت صحيفة "الشرق الأوسط" بأنّ "لبنان يترقّب ما يحمله وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في زيارته المفاجئة إلى بيروت، خصوصاً أن القيادات اللبنانية غير مطلعة مسبقاً على ما يحمله رئيس الدبلوماسية الإيرانية".

وأشارت إلى أنّه "فيما تفيد معلومات غير رسمية بأن الهدف الرئيسي للزيارة هو إقامة عراقجي حفل توقيع كتابه في بيروت، إلّا أنها تكتسب بعداً سياسياً، خصوصاً أن المسؤول الإيراني طلب مواعيد للقاء كلّ من رئيس الجمهورية جوزاف عون، رئيس مجلس النواب نبيه برّي، ورئيس الحكومة نواف سلام، وستكون له لقاءات مع قيادة "​حزب الله​"؛ وربما قادة الفصائل الفلسطينية الحليفة لطهران".

أهدف سياسية

واعتبر مصدر رسمي لبناني عبر "الشّرق الأوسط"، أن "زيارة عراقجي أبعد بكثير من مناسبة توقيع كتابه في بيروت، بل تنطوي على أهداف سياسية"، موضحًا أن "الوزير الإيراني هو من طلب الزيارة، ولم تكن منسّقة مسبقاً مع الدولة اللبنانية، ويعتزم عقد لقاءات مع المسؤولين اللبنانيين للبحث في جميع الملفات التي تهمّ بلاده، ولبنان معني بها بشكل مباشر أو غير مباشر، سواء بما يخص قرار الدولة بحصرية السلاح بيدها، بما فيه سلاح "حزب الله"؛ أو بالقرار الذي اتخذه لبنان بالعودة النهائية والثابتة إلى الأسرة العربية وأخذ دوره مجدداً ضمن الأسرة الدولية".

بدوره، لفت مصدر حكومي لبناني لـ"الشرق الأوسط"، إلى أن "لا معلومات عن فحوى زيارة عراقجي إلى بيروت، والقيادات اللبنانية لم تطلع مسبقاً على ما ينوي بحثه". وعمّا إذا كان ذلك مرتبطاً بقرار الدولة اللبنانية بحصر السلاح بيدها، شدّد على أن "هذه المسألة تعدّ شأناً سيادياً لبنانياً، خصوصاً أن لبنان اتفق مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال زيارته للبنان على تسليم ​السلاح الفلسطيني​، ووضع أمن المخيمات بعهدة الدولة اللبنانية"، مؤكّدًا أن "موضوع سلاح "حزب الله" أمر يخص الدولة اللبنانية، والحزب جزء من الحكومة التي اتخذت هذا القرار وعبّرت عنه بوضوح في بيانها الوزاري".

وفي حين من المتوقع أن تكون تطورات المفاوضات الإيرانية- الأميركية في صلب المحادثات، لا سيما نتائج نجاحها أو تداعيات فشلها على لبنان، ذكر المصدر الحكومي أن "المسؤولين اللبنانيين لن يفاتحوا عراقجي بهذا الموضوع، إلّا إذا أراد الأخير بحثه مع الجانب اللبناني"، مضيفًا أنّ "لبنان يتمنّى أن تنجح المفاوضات، وأن تؤسس لمرحلة طويلة جداً من الاستقرار في المنطقة، وفي حال فشلها لا سمح الله، نأمل ألّا تكون لها انعكاسات سلبية على لبنان؛ الذي خرج حديثاً من حرب مدمرة ويسعى لمعالجة أسبابها ونتائجها".

من جهته، رأى سفير لبنان السابق في واشنطن أنطوان شديد، للصحيفة، أن "الهدف الأول للزيارة هو إثبات نفوذ إيران في لبنان، رغم الخسائر التي تكبدتها والضربات التي تلقاها "حزب الله" وسقوط نظام الرئيس السوري السابق بشار الأسد".

وعبّر عن اعتقاده بأن "القيادات اللبنانية ستبلغ عراقجي رسالة واضحة بأن الأمور تغيرت، وأن لبنان ملتزم بتنفيذ القرارات الدولية، لا سيما ​القرار 1701​، ومسألة حصرية السلاح بيد الدولة"، مشيرًا إلى أن "الدولة مصرّة على إنهاء التأثير الإيراني على الداخل، انطلاقاً من علاقتها بـ"حزب الله" وسلاحه، الذي يعارض الحزب تسليمه حتى الآن". وذكّر بأن "لبنان بات تحت المجهر الدولي، وإيران تدرك هذه المسألة، ولا يمكنها الوقوف أمام إرادة اللبنانيين في تحرير قرارهم من التأثيرات الخارجية".

تحذير أممي

من جهة ثانية، وفي ظل الحديث المتزايد عن التمديد لقوّات "​اليونيفيل​"، وما يُروَّج عن إدخال تعديلات على مهامها في منطقة جنوب الليطاني، أكّدت مصادر رسمية لـ"الجمهورية"، أنّ "موقف لبنان الرسمي يُشدّد على التمسك ببقاء قوات "اليونيفيل" والتمديد لها، من دون أي تغيير أو تعديل في مهامها".

بدوره، لفت دبلوماسي أممي للصحيفة، إلى أنّ "تمديد فترة انتداب قوات "اليونيفيل" مرجّح أن يحصل في الموعد المحدّد". وفضّل ألّا يستبق قرار التمديد، وما إذا كان سيقترن بتعديلات معيّنة في مهام "اليونيفيل"، موضحًا أنّ "تمديد مهام قوات حفظ السلام سيتماشى بالتأكيد مع التطوّرات الجديدة في المنطقة (منطقة عمل "اليونيفيل" جنوب الليطاني بالتنسيق مع الجيش اللبناني)".

وشدّد على أنّ "لبنان بحاجة ماسّة إلى الإستقرار"، ملاحظًا أنّ "الوضع في المنطقة الجنوبية يتسمّ بخطورة كبيرة، ونخشى من انزلاق الوضع إلى تصعيد أكبر، في ظل عدم الالتزام الكامل والتام باتفاق وقف الأعمال العدائية التي تطال في جانب منها مواقع وجنود حفظ السلام. وقد راسلنا المسؤولين في لبنان حول هذا الأمر، وكذلك وجّهنا مطالبات متتالية إلى الجانب الإسرائيلي بوقف استهداف "اليونيفيل"، والالتزام بالاتفاق والامتناع عن القيام بالأعمال العدائية، بما يُسهّل على الجيش اللبناني استكمال مهمّة انتشاره في الجانب اللبناني من الحدود؛ في سياق القرار الدولي 1701".