الوجودُ نُشدانُ لَحَظاتٍ مِفصَلِيَّةٍ لِبُرهانِ أحَقِيَّةِ الجَوهَرِ وَإثباتِ الكِبَرِ. وَلَيسَ مِن كيانِيَّةٍ أبلَغَ مِن تِلكَ المُتَّجِهَةِ بالحُرِيَّةِ صَوبَ هذا الوجودِ، بِثِقَةِ القائِمِ بِذاتِهِ لِأنَّهُ كالحَقيقَةِ مُعطىً، بِمِعنى أنَّهُ مَسؤولٌ لا عَن وجودِهِ فَحَسبَ بَل وَأيضاً عَن وِجدانِها. بالصِدقِ التامِّ. هَذِهِ صَرخَةُ الحَقِّ لِلكيانِيَّةِ الذاتِيَّةِ بِوَجهِ التَشكيكِ، الظُلمِ، الباطِلِ: صَرخَةُ الوثوقِ المُمَيِّزِ.

قُلّ: ذاكَ ​لبنان​ُ الوجودِ، في نَضارَةِ حَقيقَتِهِ. هو المُعطى بَعضُهُ مِن بَعضِهِ الى اللانِهايَةِ. مِنَ المَشَقَّةِ الكيانِيَّةِ الى الحَضرَةِ في الحَقِّ. لا تُغِلُُّهُ سَلاسِلٌ، وَلا قَبضَةٌ تَستَعبِدُهُ.

هو لبنانُ الإقرارُ ألْمِن ذاتِهِ لِذاتِهِ.

هو التَلازُمُ الَلصوقُ بالوَعي... بِوَجهِ شُهودِ الزورِ المُطبِقِ عَلَيهِ مِن خارِجٍ لِإرغامِهِ على الإنكِسارِ. والسَبَبُ؟ تَغَطرُسُ الغَباءِ وَإستِكبارُ الإستِغباءِ. هَذا غَباءٌ يُهَدِّدُهُ بالعَودَةِ الى "بِلادِ الشامِ"؟ مَتى كانَت، تِلكَ المَدعوَّةُ كَذا؟ بَل مَتى كانَ جِزءاً مِنها لِيَعودَ إلَيها؟ ألَمْ تَكُن تلك "البِلادُ" جِزءاً مِن لبنانَ التاريخِيِّ مِن زَمَنِ كانَت حِمصُ عاصِمَةَ فينيقا الداخِلِيَّةِ كَما ثَبَّتَها الرومانُ، الى زَمَنِ مَملَكَةِ صورَ المُمتَدَّةِ لِإنطاكيا إذ بَنَتها وَنَشَرَت إيمانَها على المَشارِقَ، فَزَمَنِ وِلايَةِ طَرابُلُسَ المُمتَدَّةِ مِن تُخومِ كِسِروانَ حَتَّى اللاذِقِيَّةِ ضِمناً؟ وَذاكَ إستِغباءٌ يُنذِرُهُ بِضَمِّ أجزاءَ مِنهُ لِأرضٍ "مَوعودَةٍ" ‒مِمَّن؟ وَمَتى؟‒ وَ"شَعبٍ مُختارٍ" ‒مِمَّن؟ وَلِمَ‒؟ بَل أحَقَّاً هُناكَ مَن إختارَ لِذاتِيَّتِهِ شَعباً دونَ سائِرِ شُعوبِ خَليقَتِهِ، وأرضاً دونَ أراضيَ خَلقِهِ؟ ألَمْ يََكُنِ العِبرانِيُّونَ خَليطَ أسباطٍ مُتقاتِلَةٍ بِإستِحكامِ سُلطَةٍ دينِيَّةٌ، إستَوطَنَ أرضَ الجَليلِ الخَصبِ ألْبَنَت مُدُنَهُ مَملَكَتا صورَ وَصَيدونَ فأضحى "جَليلَ هِغوييم" أيّ جَليلَ الأُمَمِ "غوييم"، وَهَوَّدَ فِكرَ صورَ وَصَيدونَ الزَمَنِيِّ وَتُراثَ بيبلوسَ الروحِيِّ ناسِباً إيَّاهُما لَهُ، وَراحَ مُتَطَرِّفوهُ يَسخَرونَ مِن لَهجَةِ بَنيهِمِ الخاصَّةِ كَما فَعلَ شُهودُ زورِ ذاكَ الزَمَنَ تِجاهَ لَهجَةِ بُطرُسَ أثناءَ مُحاكَمَتِهِمِ لِلمَسيحِ... ذاكَ اليَسوعَ مُختارَ جَليلِ صورَ وَصَيدونَ لِإعلانِ البِشارَةِ، جَليلَ الأبناءِ "الَذينَ يَقذِفونَ الرُعبَ في قُلوبِ أعداءِ الحَقِّ" على ما وَصَفَهُمُ المؤَرِّخُ اليَهودِيُّ فلافيوسُ يوسيفوسُ... مُنذُ القَرنِ الميلادِيِّ الأَوَّلِ؟

والعارُ، بِكُلِّ خِزيهِ، أن في مِفصَلِيَّاتِ هَذا التاريخِ الحاضِرِ، الموغِلِ بِقوَّةِ الغَباءِ والإستِغباءِ وَما بَينَهُما مِن دِماءِ أبرِياءٍ تَخُطُّ حُدوداً، وَتَأصُّلِ إباداتٍ، وَإزهاقِ أرواحِ مؤمِنينَ في دورِ عِبادَةٍ، وَتَكاتُفِ فَظاعاتٍ، خُنوعُ داخِلٍ لِإستِكبارِ الإنكارِ وتَغَطرُسِ السَفاهَةِ، نَهجاً مُحَلِّقاً إستِنكافاً مُتَباهياً، في دِوَّاماتِ التَخَلِّي وَغِواياتِ بَذخِ التَفاهاتِ.

ثنايا التَمَنُّعِ

أجَل! أولَئِكَ ألْمِن خارِجٍ وَداخِلٍ، شُهودُ زورٍ مُتَواطِئونَ في جَزمِ الجُرمِ بِحَقِّ لبنانَ، لبنانَ-إثباتُ-اليَقينِ. أيُدرِكونَ أنَّ لبنانَ-الأرْوى-لِلغَليلِ لا يُلغى بِظَهوراتِهِمِ مَهما تَراوَدَت وَتَلاحَمَت في الزورِ، إذ تَبقى، مَهما تَكَلَّفوا، مَواقِفَ الكافِرِ بِنِعمَةِ الوجودِ. مُخادَعاتٌ بِخِداعٍ.

لُبناني نِعمَةُ الوجودِ الطَلِقِ.

لُبناني لا يُمكِنُ أن يَكونَ لُبنانُهُمُ ‒ألَّليسَ لبنانَ‒، أولَئِكَ ألْمِن داخِلٍ وَخارِجٍ يُهينونَهُ تَعجيزَ زورٍ وإخفاقَ زورٍ. لِمَ؟ لِأنَّ لُبناني كالحُبِّ، تِمِنُّعٌ. أنتَ تَغدو فيهِ لِيَقرُبَ إلَيكَ. يُريدُكَ أن تَجِدَهُ، وَهوَ كُلِيَّةُ الوجودِ، لِتَجِدَ الوجودَ بِهِ. مِفصَلِيَّتُهُ الأساسُ المُصِرُّ عَلَيها، أنَّهُ ثَنايا التَمَنُّعِ الوَحيدِ، في وَجهِ الأغبياءِ والجَهَلَةِ والكُفَّارِ. الراكِنُ الى وثوقِهِ. الطُهرُ الأصلِيُّ، قَبلَ وَأثناءَ وَبَعدَ بَعدَ سَقَطاتِ التَمَرُّدِ على الخَيرِ بالشَرِّ السَليطِ.

إشهَد لَهُ، تَهزِم شُهودَ زورِهِ! هو في ذاتِهِ الحَقُّ-الكَلِمَةُ.

لُبناني-لبنانُ، لِأنَّهُ هَكَذا هو إستِحقاقُ جودِ الوجودِ. ذاكَ بُرهانُهُ-الفَيصَلُ!