على الرغم من كل المواقف التي تصدر عن الإدارة الإنتقالية في سوريا، إلا أن سلوكها، منذ لحظة وصولها إلى السلطة، يؤكد صعوبة أن تكون الجهة القادرة على ضمن وحدة البلاد. وهو ما عبر عنه المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون، بشكل واضح، من خلال الإشارة إلى أنه "لا يمكن فرض الولاء للدولة بالقوة العسكرية".
في هذا الإطار، كان من الواضح أن هذه السلطة، بقيادة أحمد الشرع (أبو محمد الجولاني)، تسعى إلى البحث عن الشرعية الخارجية قبل الشرعية الداخلية. إنطلاقاً من قناعة لديها أن القوى الدولية والإقليمية المؤثرة، هي التي تملك القدرة على إبقائها في موقعها أو إزالتها منه، نظراً إلى أنها هي نفسها التي عملت على إسقاط النظام السابق.
إنطلاقاً من ذلك، يكون من الضروري البحث عما تفكر فيه أبرز تلك القوى، في الوقت الراهن، أو عن رؤيتها إلى الواقع السوري. حيث العنوان الوحيد الذي يجمعها، بحسب ما تؤكد مصادر معنية عبر "النشرة"، هو تفادي سيناريو الدولة الفاشلة، الذي كان الموفد الأميركي توم براك قد حذر منه، بعد أحداث محافظة السويداء، عبر الإشارة إلى أن خطر النموذجين الليبي أو الأفغاني لا يزال قائماً.
بالنسبة إلى هذه المصادر، الشرع نفسه يدرك الإجماع على تفادي هذا الخطر، لذلك لجأ، بعد الدخول الإسرائيلي المباشر على خط المعارك في السويداء، إلى التلويح بهذه الورقة. حيث عمد إلى فتح أبواب الفوضى المضبوطة عبر إستخدام العشائر، التي دعمها، في المواجهات. واضعاً نفسه في إطار الجهة الثالثة، القادرة على أن تكون قوات فصل بين القوى المتحاربة على أرض الواقع.
من حيث المبدأ، رفعت أحداث السويداء، التي تأتي في سياق ما حصل في الساحل، بالإضافة إلى إستمرار الخلاف مع "قوات سوريا الديمقراطية"، من منسوب القلق حول المستقبل السوري. نظراً إلى أن الأوضاع تبقى مفتوحة على كافة السيناريوهات، في ظل التطورات المتسارعة على مستوى المنطقة برمتها، بعد السابع من تشرين الأول من العام 2023.
في هذا السياق، تكشف المصادر المعنية عن معلومات، تعبر عنها بعض الأوساط الدبلوماسية، تؤكد أن أي حل أو مشروع في سوريا يجب أن يكون الشرع ضمنه، لكن ذلك يتطلب منه ما هو أبعد من الخطوات التي يعلن الرغبة في القيام بها. إلا أنها تلفت، في المقابل، إلى أن الرجل "مكبل" بالصراعات الدولية والإقليمية، وتضيف: "هو، من الناحية العملية، مستعد لتقديم تنازلات كبرى، للبقاء في السلطة، لكن هناك خطوطاً حمراء يصطدم بها".
هنا، تذهب المصادر نفسها إلى التوضيح أن الإسرائيلي لا يرى إلا سوريا مقسمة، حيث يعتبر أن هناك فرصة لتحقيق هذا الهدف، الذي يعمل على تحقيقه في الجنوب السوري. بينما التركي يسعى إلى الإيحاء بأنه يريد التمسك بوحدة البلاد، ولذلك يعلن أنه سيتدخل لمنع التقسيم. في حين أن السعودي، الذي لا يرى إلا الصراع مع إيران، مستعد لتجاوز كل ما تقوم به السلطة، ما يُفسر الزيارة التي قام بها وفد إستثماري كبير قبل أيام.
بالنسبة إلى هذه المصادر، الأهم يبقى الموقف الأميركي، حيث تعتبر واشنطن أنه لا يمكن التخلي عن الشرع في الوقت الراهن، بسبب وجود مجموعة من المهام التي يجب أن يقوم بها. أبرزها: منع عودة النفوذ الإيراني، معالجة ملف المقاتلين الأجانب، المواجهة مع تنظيم "داعش"، لتفادي سيناريو الدولة الفاشلة. ما يُفسر المساعي، التي يقوم بها براك، لتأمين توافق بين دمشق وتل أبيب، ظهرت عبر الإجتماع الذي رعاه بين الجانبين، في العاصمة الفرنسية باريس.
في المحصلة، تذهب المصادر المعنية إلى التشديد على أنه، ما لم يحصل تحولاً كبيراً في سلوك الشرع على المستوى الداخلي، فإن سيناريو الدولة المُقسمة، المدعوم إسرائيلياً، هو الذي سيتقدم على باقي السيناريوهات. وتضيف: "هذا الأمر قد لا يكون في وقت قريب، بسبب مخاطر سيناريو الدولة الفاشلة والمهام التي لم تنجز بحسب الرؤية الأميركية، لكن تراكم الأحداث سيقود حكماً إلى ذلك".