لفت وزير الثّقافة غسان سلامة، خلال افتتاحه والمدير العام للمنظّمة العربيّة للتربية والثّقافة والعلوم (الإلكسو) محمد ولد آعمر، فعاليّات الاجتماع العاشر لمرصد التراث المعماري والعمراني بالبلدان العربيّة، في مقر المكتبة الوطنيّة -الصنائع، إلى "أنّني عندما كنت في ليبيا، وكان كثيرون يسألونني هل ذهبت إلى اللّيبيّين في صحرائهم الشّاسعة؟ كنت أُجيب بأنّني لو ذهبت إلى الصّحراء لما وجدتُ أحدًا منهم، إنّهم كلّهم في المدن على الشّاطئ. 95 بالمئة من سكان ليبيا بين طرابلس وبنغازي ومسراطة والزاوية وغيرها، هذه هي الحال الحقيقيّة".
وأشار إلى "أنّنا أبناء حواضر، لذلك فإنّ الاهتمام بالحاضرة العربيّة أمر قديم وجدّي وضروري. وما تعلّمناه في الـ30 سنة الماضية أنّ الاهتمام بالحفاظ على ما هو ثلاثي في تلك الحواضر أمر أساسي: أوّلًا، لسبب جمالي لأنّه شغلت الأبنية الحديثة بعض الملل، ونحن نعلم أنّ الملل هو أكثر أعداء الإنسان. ثانيًا، لأسباب اقتصاديّة لأنّ الأبنية التراثيّة تستقطب السّائح، وثالثًا لأنّ الأبنية التراثيّة جزء لا يتجزّأ من هويّتنا، والحفاظ على الهويّة كما الحفاظ على اللّغة؛ كما الحفاظ على الأشياء الأخرى الّتي ورثناها أيضًا".
وأكّد سلامة أنّ "الحفاظ على هذا التراث أساسي، لكنّنا تعلّمنا أنّ ترميم هذه الأبنية هو في أحسن الأحوال الخطوة الأولى وليس الأخيرة، لأنّنا تعلّمنا أنّ أبنيةً يتم ترميمها ولا يتم استعمالها بصورة طبيعيّة سكنًا أو عملًا أو نشاطًا اجتماعيًّا أو أي شيء آخر، تعود فتندثر بعد حين"، موضحًا أنّ "لذلك التحدّي كبير، التحدّي ليس الحفاظ على الحجر بل إعادة إحيائه، والتجارب النّاجحة هي الّتي تمكّنت ليس فقط من ترميم القصبة (نحن لدينا قصبة في صيدا وفي طرابلس)، بل إعادة سكن النّاس فيها بطريقة طبيعيّة، كي لا تكون عنصرًا متحفيًّا بل عنصرًا حيًّا يدخل في حياة النّاس؛ هذا هو التحدّي" .
وشدّد على أنّه "يجب فتح هذا السّجل، ونضع عليه المواقع الواحد بعد الآخر، وإعطاء هذه المواقع الحماية الضّروريّة وفرض الشّروط على من يقوم بذلك، كي لا يتمكّن أحد من الإساءة إلى ما يتم اختياره من مواقع، الّتي تم اتخاذ القرار بضرورة إعادة إحيائها". واعتبر أنّ "هذا أمر جلل، لأنّه يقتضي إقناع النّاس بأنّ هذا الترميم يجعل حياتهم أفضل ولو تعذّبوا بعض الشيء".
كما نوّه بـ"اختيار المنظّمة لبنان رغم ما مررنا به من أزمات، إن لجهة "كوفيد 19" أو الانهيار المالي والاقتصادي والحرب الدّائرة وما زالت دائرة، إلّا أنّه لا بدّ من أن يستعيد لبنان عافيته"، مشيرًا إلى "أنّنا فخورون بعقد اجتماع منظمة "الالكسو" في بيروت لهذا المرصد، ونأمل النّجاح في هذه المهمّة من خلال وضع سجل متقدّم مع شروط ومشاريع للأماكن الّتي سيضمّها هذا السّجل، وقد تختلف بعض الشّيء عن تلك الّتي وضعتها المؤسّسة الأم في باريس، لأنّ لحواضر العرب خصوصيّة أنتم أعلم النّاس لتبيانها وفرضها وأخذها بالاعتبار".