اجتمع رؤساء الحكومة في السرايا الكبيرة أمس على مدى ساعتين. تباحثوا في أحوال الطائفة السنية. اكتشفوا أن مصلحتها العليا في خطر، وأن من يهدد مصلحتها ليس سوى مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني. فهو كما قال رؤساء الحكومة عنه في اجتماعهم، «ضرب هيبتهم لأنه لم يعد يستمع لهم، كذلك فإنه لا يستجيب لطلباتهم بتوجيه دعوة لعقد اجتماع لأعضاء المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى». لذلك يجب «عزله». هذا ما وصل من الاجتماع لمقربين من المفتي قباني.

أصحاب الدولة كانوا سيتخذون أمس قرار عزل صاحب السماحة، لولا طلب الرئيس عمر كرامي إمهال المفتي حتى السبت لعقد جلسة للمجلس الشرعي الذي مدد لنفسه، والذي يرفض المفتي الاعتراف بشرعيته. طبّاخ الفكرة كان رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، بعدما سوّق لها على مدى الأيام الماضية. زار السنيورة ليل أول من أمس كرامي في منزله في الرملة البيضاء، طارحاً الفكرة عليه. قال لكرامي إنه يمكن دعوة الهيئة الناخبة، التي يبلغ عددها 106 أشخاص، لانتخاب مفتٍ جديد، مؤكداً أنه يضمن 85 صوتاً، أي ثلثي الأصوات التي يمكنها انتخاب بديل لقباني. لم يعلّق كرامي على الموضوع، مفضلاً انتظار اجتماع رؤساء الحكومة. أغرى السنيورة رؤساء الحكومات السابقين، كلاً على حدة، باختيار أي مفتٍ يريدونه، مطمئناً إلى أنه لن يتدخل في اختيارهم للمفتي المحتمل، لكن بشرط قبولهم عزل الحالي.

أمس أعاد رئيس كتلة المستقبل تكرار السيناريو نفسه خلال اجتماع رؤساء الحكومة. تناسى أن من يريد عزله هو من وفّر له الغطاء خلال اعتصام قوى 8 آذار أمام السرايا. كذلك تخطى الرئيس نجيب ميقاتي لكون قباني هو من تحمل سهام السنيورة عندما رفض طلب المستقبل نزع الشرعية عن ميقاتي عندما اختير الأخير رئيساً للحكومة. والمفتي ذاته هو من هاجم أنصار المستقبل عندما أرادوا اقتحام السرايا بعد اغتيال اللواء وسام الحسن.

على مدى 120 دقيقة أمس، اجتمع رؤساء الحكومة للبحث في أزمة المجلس الشرعي. وللمرة الأولى، أظهر رئيس حكومة «النأي بالنفس» عدم وقوفه على الحياد. من مجلسه، صدر بيان أعطى المفتي مهلة حتى السبت المقبل لدعوة المجلس الشرعي، وإلا فستتخذ إجراءات ضده. وتحدّث البيان عن ضرورة حماية «مقام المفتي والارتقاء به عن الحسابات الشخصية والحسابات الضيقة». وبحسب مصادر المجتمعين، تبين أن الإجراءات التي هدد بها رؤساء الحكومات السابقون ليست سوى عزل المفتي من منصبه.

البيان كان مستغرباً من بعض مفتي المناطق. فلغة كهذه غير معهودة منذ قيام الجمهورية اللبنانية، بحق مفتي الجمهورية، من قبل قادة الطائفة السنية السياسيين. الرؤساء دخلوا طرفاً في النزاع الدائر بين المفتي وأعضاء المجلس الشرعي المقربين من تيار المستقبل. ويقول مفتي جبل لبنان محمد علي جوزو إن «التهديد في غير مكانه، ولا يجب على رؤساء الحكومة الانحياز إلى طرف ضد آخر». لم يتوقف الجوزو طوال حديثه مع «الأخبار» عن ترداد عبارتي «لا حول ولا قوة إلا بالله» و«سبحان الله»، نظراً إلى تغيير ميقاتي موقفه من قباني. فانتقد الجوزو طريقة التعاطي مع المفتي، مشيراً إلى أنه «يوجد خلاف في الحكومة وفي مجلس النواب وفي كل مكان. لماذا بما يتعلق بالمجلس الشرعي نأخذ قراراً بعزل رئيس المجلس بينما لا يُعزل رئيس الحكومة أو رئيس مجلس النواب؟». رأى أن هذا «الإجراء للأسف، يُعَدّ سابقة لم تحصل في تاريخ دار الإفتاء، وعلى رؤساء الحكومة أن يكونوا حكماء ولا يكونوا طرفاً في النزاع». وانتقد الجوزو «استخدام التهديد ضد المفتي»، محملاً «رؤساء الحكومة إهانتهم للطائفة، لأن التعاطي مع الأمر في هذا شكل غير طبيعي». ويؤكد الجوزو أنّ من غير الجائز «تهديد المفتي، ولو كان على خلاف مع أعضاء المجلس؛ فهو من حقه حل المجلس ورد كل القرارات الصادرة عنه». من جهتها، تؤكد أوساط الرئيس كرامي قرار عزل المفتي إن لم يدع لاجتماع المجلس الشرعي قبل يوم السبت المقبل، وتقول إن «محاولات عدة جرت للتقريب في وجهات النظر، إلا أن المفتي لم يستجب لها».

وكان ميقاتي قد أرسل اثنين من مستشاريه للقاء المفتي مساء أمس، ولإبلاغه بما اتفق عليه رؤساء الحكومة. وقد نقل هؤلاء عن ميقاتي طلبه من المفتي أن يزور رئيس الحكومة في السرايا لإيجاد حل للخلاف الحاصل، إلا أن قباني رفض ذلك.

وتقول أوساط المفتي إن كل ما جرى أمس هو «مجرد تهديد لن ينفع مع سماحته»، مؤكدة أن الدعوى التي وجهها قباني لإجراء انتخابات المجلس الشرعي في 14 نيسان المقبل لا تزال سارية وأنه «لن يدعو إلى عقد جلسة المجلس الشرعي السبت المقبل». وعند سؤالها عمّا إذا كان هناك غطاء سعودي لعزل قباني، ردت بالقول إن «نجل قباني كان في السعودية وفي زيارة للسعودية وأخبروه أن الرياض لن تتدخل في ما يجري بين أعضاء المجلس الشرعي والمفتي». ويؤكد المقربون من قباني أن المجلس الحالي منتهي الصلاحية، وهو في مرحلة تصريف الأعمال، لذلك لن تتم دعوته إلى الاجتماع الذي طلبه رؤساء الحكومات.

أما أوساط ميقاتي، فتؤكد أن رؤساء الحكومات قرروا عزل المفتي إن لم يجمع المجلس الشرعي قبل السبت المقبل، ليقرر المجلس موعد انتخابات لمجلس جديد. وتضيف مصادر السرايا الحكومية أن رؤساء الحكومة سيجتمعون في اليومين المقبلين لدراسة ما ستؤول إليه الأوضاع، نافية أن يكون لقرار رؤساء الحكومة أي بعد سياسي. ورداً على سؤال عمّا إذا كان خلاف «شكلي» بشأن شرعية تمديد ولاية المجلس الشرعي سيؤدي إلى سابقة بحق مفتي الجمهورية، قالت أوساط ميقاتي إن رئيس الحكومة يخشى أن تنتج الانتخابات التي دعا إليها المفتي مجلساً شرعياً ثانياً، في ظل إصرار تيار المستقبل على شرعية المجلس الممدد له. وبناءً على ذلك، جرى ما جرى أمس.