الطريق الجديدة قلعة تيار المستقبل. لكن من زارها أمس، لم يجد لهذا التيار أثراً في نفوس من غضبوا من أبنائها على «التعرض لمشايخنا». الأرض في تلك المنطقة لرجال الدين، وللسلفيين منهم تحديداً. أظهر علماء الدين قوتهم، فبكلمة منهم أنهوا إشكالاً وقع بين «شباب المنطقة»، وبإيماءة منهم استطاعوا ضبط الشارع. قد تكون المشكلة عند تيار المستقبل عدم وصول تغريدات رئيسه سعد الحريري إلى شباب الطريق الجديدة. فما جرى أمس أظهر أن الرئيس سعد الحريري، على ما يبدو، لم يعد يمون على أبنائها.

قلة الاحترام التي عومل بها منسق بيروت في التيار بشير عيتاني تؤكد، أو أقله، توحي بذلك. فعند إلقائه كلمته، خلال الوقفة التي دعت إليها هيئة علماء المسلمين تضامناً مع المشايخ الذين تعرضوا للاعتداء أول من أمس في خندق الغميق والشياح، صرخ بعض الشباب مطالبين بإعداد حزب قويّ للانضمام إليه. قاطع أحد الشباب عيتاني، صارخاً: «تيار، سلفية، جماعة إسلامية». أُسكت الشاب فوراً من قبل زملائه: «شو تيار ما تيار، سلفيّة بس».

الشبان كانوا بالعشرات أمام مسجد الإمام علي بن أبي طالب في الطريق الجديدة. رايات الجماعة الإسلامية الخضراء ملأت الساحة. في انتظار وصول علماء الدين صدحت الأناشيد الاسلامية في فضاء المنطقة. استخدمت الجماعة أناشيد حركة «حماس» لتحريك مشاعر الحاضرين. بالطبع لا يهم إذا استعارت الجماعة أناشيد حماس؛ ففي النهاية جميعهم أبناء الإخوان المسلمين. لحظات حتى يصل الشيخ داعي الإسلام الشهال. تلتهب مشاعر الحاضرين. ترتفع أصواتهم عالياً «الله يحميك شيخ الشهال». يبدأ علماء الدين بالتوافد. يقفون تحت المنبر. يتدافع الحضور لتصويرهم. يصطدمون بالزملاء المصورين. وبما أنهم أبناء المنطقة، فالأولوية لهم. «الصحافيّي لورا» يصرخ أحدهم. يرفض الزملاء الامتثال له. يبدأ التدافع بين الحاضرين والصحافيين. يحاول البعض تهدئته: «أبو عائشة ما بيسوى. احترم العلما»، يصرخ أحدهم. يهدأ أبو عائشة، بينما يستنفر آخر. «يا عمر صلّي على النبي ما بيسوى هيك». يردّ عمر «خلي أخو الش... يرجع لورا». يطلب مرافق الشيخ الشهال تهدئة الأمور فيمتثل له الجميع.

يبدأ المهرجان الخطابي. يصل الدور إلى رئيس هيئة علماء المسلمين في لبنان الشيخ أحمد العمري. تتلخص كلمة العمري بثلاث نقاط: الأولى للحكومة، الثانية لـ«الطائفة الشيعية الكريمة» والثالثة لـ«أبناء السنّة والجماعة». طالب العمري الحكومة بمحاسبة المعتدين على رجال الدين. أما الطائفة الشيعية، فدعاها للتعايش معها، شرط «إعلان التخلي عن نظام القتل في سوريا». أما لأبناء طائفته فـ«اعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا». يضيف: «نحن ضد الفتنة، لكن للصبر حدود».

ثم تحين كلمة منسق تيار المستقبل. لا أحد يهتم لما يقول. يستهزئ به بعض الجمهور بصوت عال. يصحح بعض العلماء الواقفون بقربه عدد المشايخ الذين تعرضوا للاعتداء. «كي لا أُطيل عليكم» ينهي عيتاني كلمته. يعتلي داعي الإسلام الشهال المنبر. ينتقد «الأمن الأعرج الذي يطبق ظلماً في مناطقنا، بينما يترك كثيراً من الظَّلَمة والقَتَلة يسرحون ويمرحون». يلفت إلى أن «هؤلاء الذين تركوا ينفذون مخططات الاعتداءات يريدون أن يجعلوا من طرابلس حمص ثانية»، مهدداً «من يريد الاعتداء على الأبرياء: سنقاتله دفاعاً عن المظلوم ورب السماء».

تنتهي كلمة الشهال. يعتلي النائب السابق زهير العبيدي المنبر. خلال إلقائه كلمته تتغير الأحوال في لحظة. يقع إشكال بين أبناء المنطقة. يُنزل الجميع الرايات التي يرفعونها. يستعملون عصيها لضرب بعضهم بعضاً. يحاول علماء الدين إنهاء الإشكال ويجدون إلى ذلك سبيلاً. لكن الغضب لا يزال يعتمل في النفوس. إذاً كيف سيطفئ المعتصمون غضبهم؟

في إشعال الدواليب وإغلاق الطرقات المحيطة في محيط الطريق الجديدة.