على الرغم من كل المواقف التي تحدثت لدى استقالة الحكومة الميقاتية عن "صدمة ايجابية" ستحدثها على الساحة اللبنانية، لا يبدو أنها حتى الساعة إستطاعت أن تحدث هذه "الصدمة" التي كان البعض يتوقع أن تفتح باب الحوار بين الأفرقاء السياسيين على مصراعيه.

لا جديد في المواقف السياسية، بانتظار الإستشارات النيابية الملزمة التي دعا إليها رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان في الخامس والسادس من الشهر المقبل، من أجل إختيار رئيس الحكومة المكلف، ومختلف القوى السياسية في حالة ترقب تنذر بدخول البلاد في أزمة سياسية كبيرة قد تكون طويلة هذه المرة، وسيكون الفراغ عنوانها الأساسي.

الصدمة المطلوبة

منذ اللحظة الأولى لإعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي نهاية عمرها، راهن البعض على أن تكون الخطوة التي أقدم عليها نقطة إنطلاق نحو حوار سياسي يتناول مختلف القضايا العالقة، ويساهم في تخفيف الإحتقان السياسي المحتدم، لكن حتى الساعة لا مؤشرات إيجابية لهذا الموضوع.

وفي هذا السياق، لا يعتقد الكاتب والمحلل السياسي جوزيف القصيفي أن إستقالة الحكومة أحدثت "الصدمة" المطلوبة التي تحدث عنها البعض، إلا لجهة تخفيف الإحتقان الذي كان يعتمد عليه الفريق المعارض من أجل الإبقاء على الوضع مأزومًا، في إطار صراعه السياسي المفتوح مع الحكومة، ولا يعتبر أن الأمور ستكون سهلة في المستقبل القريب، حيث يرى أن هناك الكثير من التناقضات التي لا تزال قائمة في المواقف.

ومن جانبه، يعتبر الكاتب والمحلل السياسي ​جوني منيّر​ أن استقالة الحكومة أحدثت "الصدمة"، لكنه يشير إلى أنه من غير المعروف إن كانت هذه هي "الصدمة" المطلوبة، ويرى أنها ساهمت إلى حد ما في وقف التشنج الأمني على الأرض، ويؤكد أن الصدمة الإيجابية لم تحصل بعد، ويتوقع أن تكون البلاد قد دخلت بعد هذه الخطوة في أزمة سياسية قد تستمر إلى وقت طويل في ظل الواقع القائم على الصعيدين المحلي والإقليمي.

ماذا عن المستقبل؟

أمام هذا الواقع، هناك الكثير من الأسئلة التي تطرح حول مستقبل الأوضاع السياسية في لبنان، لا سيما في ظل الخلاف المستمر حول العديد من القضايا، والتي يبقى أبرزها قانون الإنتخابات النيابية، التي على أساسها سيتم إنتخاب رئيس الجمهورية المقبل.

ومن هذا المنطلق، يعتبر منير، في حديث لـ"النشرة"، أن البلاد دخلت في أزمة سياسية من غير المعروف أين ستنتهي، ويرى أن هذه الأزمة قد تؤدي إلى تحريك الوضع الأمني من جديد، حيث يشير إلى أن الوضع الدولي لا يساعد على تسهيل التفاهمات.

ويؤكد منير أن هناك أزمة كبيرة لجهة تشكيل الحكومة، اضافة إلى الكثير من الأزمات الأخرى، ويشير إلى أن التفاهم على إسم رئيس الحكومة المكلف ليس بالأمر السهل على الإطلاق، كما يلفت إلى أن الأمور بعد الإتفاق عليه لن تكون مضمونة، ويؤكد أن التنازع القائم يأتي في إطار التأثير على الصراع السوري أو من زاوية أوسع في إطار الصراع البارد الحاصل في المنطقة ولعبة تسجيل النقاط.

ومن جانبه، يؤكد القصيفي، في حديث لـ"النشرة"، أن الإتفاق على إسم رئيس الحكومة المكلف لن يكون سهلاً، حيث يرى أن المواقف متناقضة حول الهوية والوظيفة المطلوبة من الحكومة المقبلة، ويعتبر أنه سيكون هناك مخاض كبير قبل الوصول إلى هذا الإتفاق، لكنه يطمئن أن هذا الواقع لن يؤدي إلى الإخلال في حالة الستاتيكو القائم، ويشدد على أن ليس هناك شي اسمه فراغ، كون حكومة تصريف الأعمال يجب أن تستمر في عملها حتى تشكيل حكومة جديدة.

ويشدد القصيفي على أن الواقع الحالي هو إنعكاس لأزمة سياسية عميقة وشرخ عامودي كبير بين الأفرقاء السياسيين، ويعرب عن إعتقاده بأن ليس هناك أي فريق مستعد لتقديم التنازلات في هذه المرحلة، ويعتبر أن التطورات المحيطة سوف تحدد مسار الأزمة، حيث لا يمكن فصل ما يحصل في لبنان عن الوضع القائم في المنطقة.

في المحصلة، هناك حالة من الترقب الكبير في الوقت الراهن، حيث يعيد كل فريق حساباته السياسية بشكل دقيق، ويعتمد الجميع سياسة الحذر، لكن ما هو واضح حتى الساعة أن معطيات الجلوس الى طاولة حوار من أجل الإتفاق على خطة لمواجهة ما هو قادم غير جاهزة، فهل يبقى الإحتكام إلى الحل السياسي هو القائم أم يسعى أي فريق إلى فرض معادلة جديدة على الأرض، لا سيما أن الوقت بدأ يداهم الجميع، ومن المفترض أن تظهر معالم المرحلة المقبلة خلال الأيام الفاصلة عن موعد الإستشارات النيابية الملزمة؟