اهتز المبنى عند الساعة الحادية عشرة ليلا فهزّت معه قلوب ساكنيه، ثم اهتزّ مرة ثانية مع دوي انفجار سمع في الأبنية المجاورة فارتفع معدل الرعب، وبعد الانفجار اهتزّ المبنى للمرة الثالثة في أقل من 10 دقائق. هزات متتالية جعلت ابنة العشر سنوات تقول لأمها: "بعدني ما صرت صبية وما بدي موت". هذه الهزات أرعبت أكثر من 200 مواطن يسكنون مبنى في الطريق الجديدة تعرض للتصدع بفعل "ورشة بناء مجاورة". ومن شدة هول الواقعة لم يتخيل ساكنو المبنى أنهم سيخرجون أحياء.

هذا المبنى المتصدع في الطريق الجديدة يتألف من 10 طوابق، وتسكنه أكثر من عشرين عائلة، وهو حسب ساكنيه كان بحالة ممتازة قبل التصدع بالامس. زارت "النشرة" اليوم المكان واطّلعت على التصدعات داخل وخارج المبنى واستمعت الى السكان. الكل هناك أجمعوا على أنّ سبب التصدعات هو ورشة البناء التي تقام بجانب المبنى، وتحديدا يلقون المسؤولية على صاحب الورشة جميل ا. والمهندس المسؤول فيها جمال ا. إلا أنّ كل هذه الاتهامات تبقى رهن التحقيق الذي يجريه فريق متخصص من بلدية بيروت.

كابوس مخيف

"اعتقدنا بعد الهزة الاولى أنّ الموضوع يقتصر على هزة أرضية خفيفة تصيب بيروت بينما مع الهزة الثانية علمنا أن شيئا مريبا يجري، أما عند سماعنا الانفجار في المبنى أصابنا الذعر وبدأنا جميعا بالركض خارجا". هكذا وصف هشام مصلي الدقائق العشر التي عاش فيها سكان المبنى أسوأ كابوس. وأضاف مصلي الذي يقف على الطريق بجانب منزله يراقب أعمال الكشف على المبنى، في حديث لـ"النشرة": "حصل ما حصل واتى بالامس رئيس بلدية بيروت بلال حمد وأبلغنا بوجوب إخلاء المبنى وبأن فريقا سيأتي صباح اليوم لاجراء الكشف عليه، وبالفعل أتى الفريق وهم يكشفون الآن على أساسات البناء، كما زارنا اليوم وزير الداخلية مروان شربل واعدا بالوقوف الى جانبنا، ولكن ما يهمنا الان هو ايواء عائلاتنا". وقال: "اليوم موسم انتخابات ولكن كل ذلك لا يهمنا ولا نريد من أحد أن يأتي ليمثّل علينا".

الامر نفسه شدد عليه ديبان فريج ومحمد فلاح في حديثهما لـ"النشرة"، وهما ايضا من ساكني المبنى المتصدع: "عائلاتنا الان عند اقاربنا ولكن هذا لا يمكن ان يكون حلا مقبولا ونحن نطالب بالتحرك الفوري من قبل المعنيين وتأمين بدلات ايواء لكل العائلات التي اصبحت مشردة اليوم". من جهتها تصف ناهدة شحادة ما وصفته بالكابوس: "أثاث المنزل يقفز، ابنة اخي طارت من جهة الى اخرى، وأحسست بالمقعد الذي اجلس عليه يهبط".

مطالبة المسؤولين بالتحرك

سكان هذا المبنى يطالبون المسؤولين بالتحرك وهم وإن شكروا بلدية بيروت على تحركها السريع إلا أنهم يطالبونها بالمزيد، ويطالبون الهيئة العليا للاغاثة بالتحرك الفوري ايضا، الا ان ذلك بالنسبة لناهدة الموظفة في بلدية بيروت لن يؤدي الى اي نتيجة: "لا ثقة لنا بأحد ولم يعدنا أحد بشيء". ولكن بالنسبة لعضو بلدية بيروت محمد دوغان فالأمر مختلف، فهو يعد العائلات المشردة بالمساعدة ويقول في حديث لـ"النشرة": "البلدية ستأخذ موقفا مناسبا مما حصل عند الساعة السادسة من مساء هذا اليوم، وفي حال لم تتحرك الهيئة العليا للاغاثة فورا لتؤمن بدلات الايواء للعائلات فان البلدية لن تقف متفرجة وستقوم بواجبها واكثر". الموقف نفسه عبّر عنه ايضا عضو مجلس بلدية بيروت السابق محمد خير في حديثه لـ"النشرة"، مشددا على واجب اجهزة الدولة بالتحرك وعدم رمي المسؤولية على بلدية بيروت فقط.

نعم ان الله ستر ولم يسقط المبنى على ساكنيه، فحادثة مبنى فسوح في الاشرفية التي اودت بحياة 27 مواطنا لا زالت راسخة في عقولنا وذكرياتنا، كرسوخ كيفية التعاطي معها. ولكننا اليوم نأمل أن تكون المعالجة سريعة وفعالة وأن لا يتم الاستخفاف بحياة المساكين الذين تشردوا لان هذه المصيبة اهم بكثير من معارك السياسيين.

تقرير ​محمد علوش

تصوير حسين بيضون (الألبوم الكاملهنا)