اعتباراً من الأسبوع المقبل سيتبدل المشهد السياسي اللبناني على واقع جديد في الحياة العامة، بعد الركون إلى قانون انتخاب جديد يستوفي الحد الأدنى من عدالة التمثيل والمناصفة الطائفية والمذهبية، على اعتبار أن تأمين العدالة السياسية والاجتماعية والوطنية ضرب من ضروب الخيال في بلد مثل لبنان.

وقبل نهاية هذا الأسبوع، قد نشهد بداية تحريك المياه الراكدة باندفاعة جديدة تأخذ شحنة من الموجة الإيجابية التي حصلت يوم تكليف الرئيس تمام سلام رئيساً بأغلبية 124 نائباً.

وحتى لا نبالغ في الوصف الإيجابي لما جرى يومي الجمعة والسبت الماضيين، لا بد من قراءة ذلك قراءة موضوعية بنّاءة، بعدما وصلت الموجة إلى حدودها القصوى وبلغت شاطئ الأمان السياسي، وهذا جُلّ ما حصلنا عليه، لكننا من دون شك قد نكون أمام جرعات متقطعة وغير كافية من الحلول الأمنية والسياسية، بعد الجرعة التي حوّلها الرئيس ميقاتي بذكاء إلى انقلاب مضاد، فتمكّن من امتصاص الحدث وتجييره لمصلحته الخاصة، واكتساب موقع مذهبي ومناطقي مرموق، وهذا ما يتمناه الرجل فعلاً، أي الخروج بأمان من الرئاسة، من دون خدوش أو أضرار، ويتحدث عن ذلك أمام زائريه بشيء من التفاخر.

وللذين اعتقدوا أنهم سجّلوا انتصاراً باهراً، يمكن القول إنهم لم يحققوا حتى فوزاً باهتاً، لكنهم أحبّوا لعبة "البروباغندا" الإعلامية، من خلال ممارسة الإخراج، عبر تركيب سيناريوهات ركوب الطائرات الخاصة إلى الرياض، وتصوير الضحكات العريضة.. إلا أن الحقيقة والواقع مغايران لذلك تماماً، والكل صار يدرك حقيقة التسمية التي وُلدت من رحم الفكرة اللبنانية الخالصة، بعد استبعاد الخيار الصادم والمستفز، من خلال تقديم العديد من المرشحين من لون وانتماء محدّديْن.

أمام هذه الصورة نحن مُقبلون على مرحلة تسير على سكّتين متوازيتين، حتى تركب العربة وتأخذ مسارها الطبيعي، الأولى مرحلة تأليف الحكومة، والثانية قانون الانتخاب، ولكل مستتبعاته.. وهذان الخطان يعكسان حقيقة حكاية الصراع السياسي المقبل.

إنّ لحظة التوافق اللبناني على تسمية سلام رئيساً للحكومة قد لا تُحسب بالضرورة توافقاً على التأليف السريع، وباعتقاد مصادر سياسية فإن هذا الأمر لم ينضج ليصبح واقعاً ملموساً، لأن العامل الوحيد لتشكيل الحكومة سريعاً قد يكون التوافق الإقليمي، الذي لعب دوراً مساعداً وإيجابياً في تسمية تمام سلام، والتوافق هو كلمة السر المنتظرة في القادم من الأيام، لأن الذي تمّ بسرعة فائقة وهذا الإجماع منعا من أخذ لبنان إلى دائرة الخطر، ومنعا سقوط البلد في لجة الحرب السورية.. فسلام استلم هذه المهمّة بهدف عدم توريط الساحة اللبنانية في اتون النار الإقليمية.

من هنا الخلاف ما زال قائماً حول هذه الخيارات: من الملف السوري، إلى تأليف الحكومة، والخلاف قائم وكبير بين مكونات الطيف اللبناني، والتعقيدات مستمرة، إلا إذا توافرت كاسحة ألغام إقليمية يمكنها تعطيل هذه الألغام بسرعة.

إذاً، اختيار تمام سلام رئيساً بأغلبية نيابية "محترمة" معزول عما ينتظره من مهمات، والمطلوب قوة دفع تسعى في الشهرين المقبلين بشكل مؤثّر وحاسم لبلوغ الحل، وهذا ما يُكسب الوضع الداخلي متانة معقولة وسدّاً أمام الرياح الحارة.