... في الباص أو في السيارة أو حتى سيراً على الأقدام... فالوسيلة لا تهمّ! في الطرقات الجبلية أو الطرقات العامة، صباحاً أو مساءً وفي ساعات اليوم كلها... فالوقت أيضاً لا يهمّ! ها إن مئات المواطنين يستعدّون لزيارة مزار سيدة لبنان في حريصا كما جرت العادة في بداية الشهر المريمي تكريما لـ"المرتفعة كالأرز في لبنان".

إلا أن هذه العادة الشعبية لا تترافق مع الحد الأدنى من شروط السلامة العامة، وما مزارات الضحايا الذين سقطوا في حوادث السير على طول هذه الطريق إلا مؤشرا على ذلك... والسبب؟ الإهمال!

لا أحد يتحرك!

في هذا الإطار، يعتبر رئيس جمعية "اليازا" زياد عقل أن "وجود الأرصفة للمشاة هو أمر أساسي جداً على كل الطرقات، فكم بالحري على طريق يشهد كثافة في عدد الزوار طوال السنة، وخصوصاً في شهر معيّن"، مشيراً إلى أن "الأرصفة ضرورية وغيابها على هذه الطريق يشكل إشكالية كبرى للسلامة العامة".

ويذكّر بأن جمعيته قامت باعتصام في أيار العام الماضي للمطالبة برصيف للمشاة وبفاصل وسطي على الطريق ولكن أحداً لم يتحرك حتى الآن، مشدداً على أن "المسؤولية تقع على وزارة الأشغال، إلا أن الدولة لم تتجاوب حتى الساعة مع مطالبنا".

ويؤكد أن المشكلة الأساسية هي في تكوين الطريق، لذلك، فإن وجود قوى الأمن مهم فقط لناحية ضبط مخالفة قانون السير، ولكن حتى في ظل احترام قانون السير يبقى الخطر قائماً هناك، والدليل هو وقوع ضحايا على مدار السنة وارتفاع أعدادهم في شهر أيار خصوصاً.

طريق حرجية بديلة... قريباً؟

من ناحيته، يشدد رئيس مزار حريصا الأب خليل علوان على التنسيق الكامل بين القيمين على المزار وبين اليازا في هذا الإطار، مشيراً إلى أن "الجمعية هي أقرب منّا من المراجع المعنية في تطوير الطرقات، فنحن لسنا المسؤولين عن الطريق".

ويكشف لـ"النشرة" عن مشروع يتم العمل اليوم على إتمامه لتجنب وقوع المزيد من الضحايا كل عام خلال الحج الذي يقومون به للسيدة مريم – سيدة لبنان، يقضي بإعداد مشروع طريق للمشاة في حرش حريصا، إنطلاقاً من مفرق بكركي وصولاً إلى المزار، وهو طريق مقابل لطريق "درب السما" الجبلي الذي يربط ساحل علما بالمزار عبر درب جبلي قد يطول ساعتين أو ثلاثة سيراً بين المنازل التقليدية وغابة حريصا.

ويؤكد الأب علوان أنه من خلال هذه الطريق "نكون قد وفّرنا ساعتين من السير وفتحنا الفرصة أمام الحجاج للوصول إلى المزار بطريق حجّ في الطبيعة تسمح لهم بالصلاة وراحة البال ودون الخشية من سيارة تحصد أرواحهم على غفلة"، لافتاً إلى أن "الذي يسير على الطريق العام لا يمكنه أن يصلي، وبالتالي فإن افتتاح طريق الحج هذه ستساهم بتأمين الجو المناسب، واحترام البيئة وتجنب المخاطر".

إلا أنه يستبعد إتمامها بسرعة نظراً لعدم وجود أي طريق مشاة قديمة وبالتالي فإن العمل جار على تخطيط جديد مما قد يتطلب وقتاً، مشيراً إلى "أننا نتحدّث أيضاً مع المالكين والبلديات لتسهيل الموضوع من الناحية القانونية ومن ناحية العمل اللوجستي".

لا يتوقف مزار سيدة لبنان عن استقبال الحجاج والمصلين، المسلمين والمسيحيين، فضلاً عن كونه مركزاً سياحياً مهماً يستقطب آلاف الأجانب من حول العالم... ولكن، هل يجوز أن تبقى الطريق المؤدية إليه، مصيدة لأرواح الناس؟ ولو مهما تعددت الطرقات البديلة، فهل يعتبر هذا الإهمال الرسمي مقبولاً؟ فعدد كبير من اللبنانيين الذين يحبّون زيارة العذراء في الأول من أيار أو في غيره من أيام السنة باتوا اليوم، وبعد كل ما يسمعونه ويرونه عبر وسائل الإعلام كل عام، يفكّرون مرّتين أو يغيّرون وجهة سيرهم للأسباب المذكورة... ويبقى الحلّ الذي تطالب به الجمعيات المختصة اليوم متعلقاً بالحد الأدنى لا أكثر من بديهيات شروط السلامة العامة على الطرقات: الرصيف والفاصل الوسطي... على أمل أن تصل هذه المطالب سريعاً إلى آذان المعنيين، ولا تبقى خاضعة لعنوان المماطلة، فالمماطلة، فالمماطلة!