في ظل الوقائع الميدانية المتسارعة على الأرض السورية في الأيام الأخيرة، لا سيما في منطقة القصير التي تعتبر من أهم معاقل قوى المعارضة المسلحة، بدأت تطرح الكثير من الأسئلة حول الثمن الذي ستدفعه هذه القوى في المؤتمر الدولي الذي سيعقد في الفترة المقبلة بعد التوافق الروسي-الأميركي، في حال تمكن الجيش السوري من بسط سيطرته بشكل كامل عليها.

لم يأت الموقف الأميركي المتجاوب مع الطرح الروسي الباحث عن حل سياسي، إلا بعد الإنتصارات التي حققها الجيش السوري في العاصمة دمشق وريفها، فما هو مصير مؤتمر "جنيف 2" بعد معركة القصير، وهل ستقدم المزيد من التنازلات؟

الميدان يتحكم بالنتائج السياسية

منذ أشهر عديدة، باتت هناك قناعة لدى مختلف القوى المتصارعة في سوريا، ولدى القوى الداعمة لها، بضرورة الذهاب نحو حل سياسي لإنهاء الأزمة، لا سيما أن الجميع يدرك أن أياً من الأفرقاء غير قادر على حسم الأمور من الناحية العسكرية، لكن هذا الأمر كان يتطلب التحضير له عبر السعي إلى تغيير بعض الوقائع على الأرض.

وفي هذا السياق، يؤكد أستاذ العلاقات الدولية في جامعة دمشق ​بسام أبو عبدالله​ أن شروط الحل السياسي تفرض من خلال الوقائع الميدانية، ويشير إلى أن التوافق الروسي-الأميركي على عقد مؤتمر دولي لم يأتِ إلا بعد الإنتصارات التي حققها الجيش السوري في أكثر من منطقة.

ويلفت أبو عبدالله، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن قوى المعارضة، بالتعاون مع بعض الدول الإقليمية، كانت قد طلبت من الجانب الأميركي بعض الوقت من أجل العمل على تغيير الواقع الميداني لصالحها، لكنه يشير إلى أنها فشلت في تحقيق ذلك، ويؤكد أن هناك "صدمة" كبيرة لدى القوى الداعمة لهذه المجموعات بعد الذي حصل في القصير.

في الجهة المقابلة، تحاول قوى المعارضة السورية التخفيف من حجم الهزائم التي منيت بها على أرض الواقع، حيث يؤكد عضو الإئتلاف الوطني المعارض ​ملهم الدروبي​ أن لا قرار حتى الساعة في ما يتعلق بالمؤتمر الدولي، ويشير إلى أن الإئتلاف لم يستلم أي دعوة رسمية لحضور هكذا مؤتمر، ويوضح أن المشاركة أو عدمها سوف تتقرر بعد درس الإيجابيات والسلبيات من وراء هكذا قرار.

كما يرفض الدروبي، في حديث لـ"النشرة"، الإعتراف بأن الوقائع على الأرض تصب في صالح النظام، حيث يشير إلى أن هناك مناطق لا تزال قوى المعارضة تسيطر عليها بشكل كامل، ويعتبر أن الوقائع على الأرض هي في إطار "الكر والفر"، ويصف المشهد على الصعيد العسكري بـ"الدراماتيكي".

هل تتخلى المعارضة عن طرح تنحي الأسد؟

على صعيد متصل، يؤكد أبو عبدالله أن الجيش السوري مستمر في عملياته العسكرية بغض النظر عن التسوية السياسية، ويشير إلى أن هذا الموقف أكد عليه الرئيس السوري بشار الأسد في أكثر من مناسبة، وبالتالي ليس هناك من حوار مع "الإرهابيين" بأي شكل من الأشكال.

ويشير أبو عبدالله، الذي يعتبر أن ما يجري على الأرض السورية سوف يدفع إلى إعادة ترتيب المنظومة الدولية والإقليمية الجديدة في المنطقة، إلى أن محور المقاومة والممانعة سيكون له دور أساس فيها.

ويعتبر أبو عبدالله أن هناك مبالغة في مناقشة الحالة السورية من قبل بعض الجهات الإقيلمية التي عملت على شخصنة الأزمة، في حين أن الولايات المتحدة لا تعتمد في سياستها الخارجية هذا الأمر، ويؤكد أنها باتت مستعجلة على الحل السياسي، بسبب مخاوفها من الخروج من الميدان خاسرة على الصعيد السياسي في حال إستمرت الإنتصارات التي يحققها الجيش.

من جانبه، يعترف الدروبي أن واشنطن وموسكو تدفعان باتجاه الذهاب نحو حل سياسي، لكنه يؤكد أن هذا الحل لن يكون مقبولا بحال لم يلب مطالب الشعب، ويوضح أن المطلوب بشكل أساسي تنحي الأسد والحفاظ على وحدة البلاد، وفي حال عدم موافقة النظام على ذلك فهذا يعني أنه سيواجه مصيراً مشؤوماً.

ولا يعتبر الدروبي أن هناك خيانة تعرضت لها قوى المعارضة من قبل بعض الدول الصديقة التي تعلن دعمها لها في العلن، ويؤكد أن هناك دعماً وإن كان ليس بالشكل المطلوب، ويرى أن قوى المعارضة لن تُترك وحيدة لأن ما يجري في سوريا لا يصب في مصلحة الشعب فقط، بل هو لمصلحة كل المنطقة.

في المحصلة، تتسارع المتغيرات الميدانية بشكل لافت، ومن المتوقع أن تتسارع أكثر في الأيام المقبلة، على إعتبار أن المنتصر في الميدان هو الذي سيفرض شروطه في أي تسوية، وقد يكون من مصلحة النظام السوري أكثر من المعارضة في هذه الأيام تأخير موعد الحل بعض الوقت.