على طريق سريع اسمه "في سبيل الله" يركض شابان. يهرولان بثياب ممزقة تغطيها الدماء. يرمقان بعضهما بنظرات تتراوح بين التنافس والحقد الدفين. حقد من زمن اخر قبل قليل عندما قاما بقتل بعضهما على احدى تلك الجبهات الالهية حيث تباع تذاكر الجنة وتعلق شهادة الراحلين على جدران عشوائية تكاثرت من رحم الحرمان واتشحت بسواد الفقر.

هنا طريق الجنة، يتسابق الشابان و صمت الخصام يلف المكان. كأنهما لم يتوقعا ان يتقابلا هنا، و لكن روح التعصب لم تفارقهما بعد . كل منهما ينظر للاخر نظرة الواعد بالشماتة الابدية، اي ان هناك في آخر الطريق من سيحسم و سيستقبل من استشهد في سبيل الله بحق. هكذا قال الشيخ فلان ابن علان الذي يتعشى الان في مطعم المرجان فروجا مما رزقه الرحمان بعدما انهكه التعب من جهاد اللسان في توضيح احداث اخر الزمان للجهلة من الشبان.

يقف الاثنان لراحة قصيرة و ينظر كل منهما الى ضفة الطريق من جهته. فيرى تشييعه. ها هي صورته التي تظهر ابتسامة الالم عندما كان عاطلا عن العمل. ها هم رفاقه يهتفون باسمه و يعدونه انهم على دربه. وها هي امه تبكي دموعا من نار يتطاير شظاها ليطال درب السماء. تلسعه دمعة امه فينتفض هاربا من المشهد. يلتفت ليرى افعال خصمه فيتصور له مرآة تعيد حركاته و حاله، عندها يكره ذاته لانها تشابهت مع هذا الخصم المقيت. هو مقتنع بانهما مختلفان جدا لدرجة انه استغرب ان لون دم ذاك الشاب ليس ازرق بل احمر مثله.

يتوقف عن التفكير، فهو يكره ان يفكر، يعتمد على ما حفظه من علم من على لسان الشيخ فلان. يتذكر كلام الشيخ ويغمض عينيه فترتسم على محياه بسمة طفولية. يضع يده في جيبه ليسحب ممشط الشعر خاصته ويسرح شعره باختيال عريس ليلة الزفاف. كيف لا و هو على بعد خطوات من مقابلة حور عين لطالما دعا له الشيخ بان يكون من نصيبه. تعيد ذكرى الشيخ له نشاطه فيلتفت ليرى ان خصمه قد سبقه فيهرول مسرعا للحاقه.

تتراءى لهما من بعيد نقطة من نور، فتتسارع الخطى. ها هو النور يكبر فيكبر معه امل بالنعيم ورغبة برؤية الخصم في الجحيم. مشاعر ملائكية و تمنيات شيطانية تجتمع في نفسيهما هنا. تتوضح ملامح آخر الطريق، باب كبير من نور ونار. نور من حسن نواياهم و نار من كره وحقد يملأ صدورهم.

امام الباب يقف شيخ عجوز بلباس ابيض وقد ملأ رأسه شيب عمره دهور. طالت ذقنه فلامست صدره. في يده مفتاح كبير و رسالة ملفوفة. يمتزج نور الباب ببياض الشيب ليعكس هيبة نورانية جعلتهما يجثيان امامه. قال الاول سيدي انا ضحيت بالغالي والنفيس من اجل دين الله وكي يعلو كلام الله في ارضه. حاول الشيخ الكلام فقاطعه الآخر سيدي انا قاتلت اعداء الله. حاول الشيخ ان يدنو منهما ليرفعهما، فقاطعه الاول سيدي انا من عشت فقيرا وقاتلت لاستشهد بين يدي الله. فأمسكه الشيخ بكتفه فانتفض الآخر سيدي والله اني بعت نعيم الارض بما فيها من اجل مرضاة الله .. هكذا الى ان صرخ الشيخ ليقاطعهما قائلاً "ايها الشابان قفا ارجوكما.. الم تريا في طريقكما المدعو يوهان ترتزل .. فهو باعني صك الغفران هذا واعطاني هذا المفتاح لبيت في الجنة بتفويض من البابا ليو العاشر.. وانا انتظره هنا منذ اكثر من خمسمئة عام.. لقد تأخر.. ادعو الله ان ينجيه و يرسله الي فهو رجل طيب".