يوماً بعد يوم يتأكّد للّبنانيين من مختلف الطوائف والأحزاب والتوجهّات السياسية، ان الحالة المترديّة التي يعيشها أبناء المناطق الساخنة، في طرابلس والحدود الشمالية، من شأنها، إنْ لم يتم تدارك مخاطرها، أن تجعل من كلّ لبنان ساحة لتبادل الرسائل الساخنة بين قوى خارجية، وأن يصبح اللبنانيون وقوداً لحرب دامية، يدفع المواطنون كلفتها المرتفعة، دماراً وقتلاً وتهجيراً، من دون ان يكون لهم القدرة على إطفاء الاحداث و وقف تدهور الأوضاع، لأن حفنة من الزعماء تحاول السيطرة على قرار الشعب، والاستمرار بخلق اقطاعات نفوذها لها، بعيداً عن مصلحة الوطن ومصير الناس.

ان تداعيات الاحداث الأمنية التي قد تتطوّر الى نوع من الحروب الداخلية المتنقلة، ستكون اخطارها كثيرة وحادّة، وستكون لها ايضاً انعكاسات مباشرة على صعيد الكيان اللبناني والاقتصاد الوطني، و على صورة لبنان ودوره، حضارياً وسياسياً، على مستوى الدول العربية والأجنبية. وهذا ما يفقد لبنان وظيفته وفلسفته وجوده ، وضرورة حضوره على مستوى السياسة العالمية.

و في ظل وضعية الانقسام بين الطوائف والأحزاب والمكونّات السياسية للمجتمع اللبناني، يظهر بوضوح ان المناعة الوطنية تصبح معرّضة للزوال، لان الشعور بالتقوقع يقوى على حساب الحسّ الوطني، بسبب غياب الدولة وضعف مؤسّساتها.

غير ان الواقع المأزوم على الساحة الميدانية، إذا ما استمرّ بالتمادي بالخروج عن منطق الدولة، سيضع المجتمع اللبناني أمام تراجع أكيد على الصعيد الأمني، وستكون الانعاكاسات الاقتصادية خطيرة، على الصعيد السياحي والمالي والمالي الاستثماري. وهذا ما ينذر بتدهور خطير، إن لم يسارع اللبنانيون الى تقديم التضحيات والتنازلات، والعمل سريعاً من اجل التضامن حول رمز لبنان، وعصب لبنان ودور لبناني. والتضامن الرئيسي في حقبة الازمات يجب ان يكون حول (الجيش) الذي يشكل جسر العبور الوحيد الى الدولة، والذي هو وحده يجب ان يكون عصب لبنان ورمز السيادة وركيزة الامن والسلام.

ان الحاجة الى دور للجيش في تعزيز الوحدة الوطنية، هي الحلّ السريع لاعادة التوازن الى الحياة السياسية، والى ضخّ الزخم في السلوك الاجتماعي المعتدل والسليم، والى ارساء قواعد المصالحة بين أبناء الوطن، على اساس الانتماء الوطني والالتزام بمبادئ السيادة، واحترام حقوق الجماعات.

السؤال الذي يطرحه كل مواطن حرّ وحريص على بلده وتركيبته المتنوعة ودوره النوعي، هو "لماذا تخافون من الجيش؟ ولماذا لا تخافون عليه؟" وهذا السؤال أساسي في مثل الحالة الاستثنائية التي نعيشها اليوم، ونخاف من تطوراتها وتداعياتها على الساحة الاجتماعية...!

فالجيش، من حيث هو الركيزة الاساس في بناء الاوطان وممارسة المؤسسات لدورها، يبقى الامل الوحيد للانقاذ من صراع المصالح ومن مخاطر ضياع البلد في سوق المزايدات السياسية، التي يربح فيها بعض السياسيين لفترة محددة، ويخسر الوطن مقومات وجوده.

ان من يتناول الجيش في تصريحات متهورة و غير مسؤولة يشكل جزءاً رئيسياً من المؤامرة التي تستهدف لبنان في هذه الاوقات الدقيقة من حياة منطقة الشرق الأوسط وهي ظروف حرجة تتطلب حكمة في ممارسة الحكم، وجرأة في ممارسة المعارضة، وفنّ الاحتكام الى المواطنين، والالتزام بقضاياهم وعدم الارتهان الى الخارج، لان التاريخ لا يرحم.

فالساحة اللبنانية التي تتنقل فيها مؤامرة استهداف الجيش من منطقة الى اخرى على الحدود وفي الداخل، لا يجوز ان تبقى بمثابة (منطقة حرّة) ومشاعاً للعابثين بأمن المواطنين وحياتهم، فليست ارضنا مشرعة لأعمال الشرّ، ولا مدننا وقرانا هي ميدان للتقاتل، وليس دم ابنائنا محللاً للمجرمين. فكل نقطة دم تسقط من الجيش والقوى الأمنية هي جرح في قلب الوطن.

والنزف الدائم في جسد الضباط والجنود، سيتحول الى نزف حادّ في كل البد، ان لم نسارع كلنا الى وضع يدنا على هذا الجرح القاتل، وننقذ لبنان من خطر الموت والاضمحلال ... لأن التمادي في مؤامرة اغتيال الجيش هو اغتيال للبنان، بكل معانيه وادواره وحضاراته وعلاقاته، وتمايزاته وصداقاته العربية والدولية. كلّنا، كمسؤولين ومواطنين، ندرك خطورة التطاول على رمز السيادة، وحامي الكرامة الوطنية، ...إذ لولا الجيش... لمات لبنان...

* رئيس الجامعة اللبنانية الثقافية