قد يكون مجلس النواب الحالي هو من أكثر المجالس التي قدمت طلبات من أجل رفع الحصانة عن أعضاء فيه، نظراً لمخالفتهم الأنظمة والقوانين المرعية الأجراء التي لا تشملها الحصانة البرلمانية، لكن هذه الطلبات "نُيّمت" بطريقة ما في أدراج المجلس النيابي، ومن غير المتوقع أن ترى النور في المستقبل القريب أو البعيد، مع العلم أن ولاية المجلس باتت على نهايتها، وقانون تمديدها مطعون به أمام المجلس الدستوري.

شهد لبنان منذ الاستقلال أربع حالات رفع حصانات نيابية، في العام 1952 رفعت الحصانة عن النائب رفعت قزعون بتهمة قتل أحد الصحافيين، أما بعد الطائف فرفعت الحصانة عن النائب ​يحيى شمص​ بتهمة تهريب المخدرات، وعن النائب والوزير شاهيه برصوميان في ملف الرواسب النفطية، وعن النائب حبيب حكيم بتهمة الضلوع في ملف محرقة برج حمود واهدار مال عام، فما الذي يمنع حتى طرح الطلبات المقدمة اليوم؟

الحصانة لا ترفع بوجود الغطاء السياسي

في الأشهر الأخيرة قُدمت 3 طلبات رفع حصانة عن النواب معين المرعبي من قبل قيادة الجيش اللبناني، وبطرس حرب من قبل مدعي عام التمييز السابق القاضي حاتم ماضي، ومحمد كبارة من قبل رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان، اثنان منها سُلما إلى المجلس النيابي، من دون أن يبت المجلس في أي منهما، وتشير مصادر نيابية مطلعة إلى أن الأسباب التي تحول دون ذلك سياسية، حيث من غير الوارد في ظل الظروف القائمة في البلد حالياً حصول هذا الأمر، على إعتبار أن الغطاء السياسي الذي يؤمنه كل فريق لنوابه يحول دون ذلك، مع العلم أن هناك العديد من الإتهامات التي وُجهت إلى هؤلاء النواب، وإلى غيرهم من الذين لم تُقدم طلبات مماثلة بحقهم.

في العام 1994 إجتمع المجلس النيابي من أجل رفع الحصانة عن النائب يحيى شمص، وتم الحديث عن تورطه في تجارة المخدرات، الأمر الذي ينفيه شمص بشكل مطلق في حديث لـ"النشرة"، ويوضح أن ما حصل يعود إلى أن غازي كنعان كان يحكم البلاد في ذلك الوقت، ويشير إلى أن خلافاً معه أوصل الأمور إلى حصول ذلك، ويلفت الى أنه لم يصدر أي حكم قضائي بحقه في هذه القضية، ويستغرب كيف أن الموضوع في كل مرة يطرح فيها لا يتم الحديث عنه بالتفاصيل، لا سيما أن له تداعيات سلبية على عائلته.

ويشدد شمص على أن الملف الذي يتم الحديث عنه "رُكِّب" له، في حين أن الأسباب سياسية بحتة، ويرى أن موضوع رفع الحصانة يُطرح في كل مرة بحسب التوجهات السياسية، ويسأل: "هل نحن نعيش في نظام ديمقراطي فيه حرية رأي؟" ويعتبر أن من المستحيل أن تُرفع الحصانة عن أي نائب في الوقت الحالي بسبب الغطاء السياسي الذي يحظى به كل منهم، إلا بحال كان هناك جرم مشهود.

على صعيد منفصل، يرفض شمص القول أنه بعيد عن الحياة السياسية اليوم إلا من الناحية الإنتخابية، حيث يشير إلى أنه ترشح في العام 2005 من أجل غاية محددة، وحصل على ثلث الأصوات في دائرة بعلبك الهرمل، لكن في العام 2009 فضل عدم الخوض في التجربة من جديد، ويلفت الى أنه من خلال أعماله الخاصة يستطيع أن يخدم أبناء منطقته.

ما هو مصير الطلبات؟

من الناحية المبدئية، ثمة مواد وُضعت في الدستور وأخرى في النظام الداخلي لمجلس النواب، توضح آلية رفع الحصانة عن أي نائب، حيث تشير المادة 39 من الدستور إلى أنه "لا تجوز اقامة دعوى جزائية على أي عضو من أعضاء مجلس النواب بسبب الآراء والأفكار التي يبديها مدة نيابته"، أما المادة 40 فتوضح أنه "لا يجوز اثناء دورة الانعقاد اتخاذ اجراءات جزائية نحو أي عضو من أعضاء المجلس، أو القاء القبض عليه اذا اقترف جرماً جزائياً الا بإذن المجلس، ما خلا حالة التلبُّس بالجريمة، أي الجرم المشهود".

ومن المعروف أنه بعد تسجيل طلب النيابة العامة التمييزية برفع الحصانة، يعود الى رئيس مجلس النواب اجرائياً دعوة هيئة مكتب المجلس ولجنة الادارة والعدل الى جلسة مشتركة لدرس الطلب، وعلى هذه الهيئة تقديم تقرير بشأنه في مهلة اقصاها اسبوعين، عملاً باحكام المادة 92 من النظام الداخلي للمجلس.

وحول هذا الموضوع، يوضح عضو هيئة مكتب المجلس النائب ميشال موسى أن الطلبات التي تسلّمها المجلس لم تعرض على هيئة المكتب، ويشير إلى أن السبب في ذلك يعود إلى إنشغال الكتل النيابية في البحث في موضوع قانون الإنتخاب، ويلفت إلى أن الأمور كلها مرهونة بالقرار الذي سيصدر عن المجلس الدستوري في الطعن المقدم بقانون تمديد ولاية المجلس النيابي.

ويشير النائب موسى، في حديث لـ"النشرة"، إلى أن هذه الطلبات من المفترض أن تُعرض على هيئة المجلس قبل إحالتها إلى الهيئة العامة في حال رفض الطعن بقانون التمديد، لأن الأمور سوف تعود إلى الإنتظام من جديد، ويعتبر أن الموقف منها يكون خاضعاً لآراء الكتل النيابية التي ستنظر في الملفات المقدمة.