لا يبالي مفتي الجمهورية محمد رشيد قباني بالحملة التي يشنها عليه الرئيس فؤاد السنيورة. ورغم حصول رئيس كتلة المستقبل على توقيع 80 عضواً من أصل 106 من الهيئة الناخبة للمفتي تطالب بعزله، يحزم قباني امره: «لن اترك دار الفتوى حتى لو عزلوني»

قاسم س. قاسم

تأخّر رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة عن إفطار قصر بعبدا خمس دقائق، أمس. كذلك تأخر رئيس الحكومة المكلف تمام سلام عن الإفطار ربع ساعة. لا يمكن الرجلين التذرّع بزحمة السير، فلهما تفتح كل الطرقات. وفي الأساس، الشوارع في شهر رمضان خالية حتى للمواطنين العاديين، فكيف لرؤساء حكومات. كل ما في الأمر أنهما تقصّدا فعل ذلك، كي لا يصلّيا خلف من يريدان عزله، أي مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني. الوحيد من بين رؤساء الحكومات السابقين الذي صلّى خلف المفتي كان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. عانق ميقاتي المفتي وقبّله، قائلاً له «ما في شي بيني وبينك». يبتسم مقربون من المفتي وهم يقولون هذه العبارة، فميقاتي بالنسبة إليهم رأس حربة في الحرب ضد المفتي. وبالنسبة إلى عدم الصلاة خلف المفتي، يقول قباني لـ«الأخبار» إن «عقول هؤلاء صغيرة، ويتصرفون مثل الأطفال، وما هكذا تكون الرجال». يضيف: «هم في الأصل لا يعرفون معنى الدين وأخلاق الإسلام».

بعد انتهائه من الصلاة، دخل قباني قاعة الإفطار. كان رؤساء الحكومة السابقون حاضرين. ألقى السلام على السنيورة وسلام. بالمناسبة، غيّرت رئاسة الجمهورية البروتوكول «كرمى لعيون السنيورة»، تقول مصادر المفتي. ففي هذا العام، جلس رجال الدين على يسار سليمان، وعلى يمينه رجال السياسة.

عاد المفتي من الإفطار الى منزله في عائشة بكار مرتاحاً. لا حملة التوقيع التي يقودها السنيورة لعزله تهمّه ولا كل الحركات التي يقوم بها. ويؤكد المفتي قباني لـ«الأخبار»: «لن أخرج من دار الفتوى حتى لو عزلوني، وسأبقى فيها حتى تاريخ انتهاء ولايتي أو في حال وافتني المنية»، معتبراً أن «قيادات المستقبل تريد عزلي بتوقيع عريضة ذكروا فيها 5 أو 6 أسباب، لكنهم لم يذكروا السبب الرئيسي فيها وهو وقوفي في وجه تعديلات السنيورة». يضيف: «يريدون الإتيان بمفتٍ ضعيف، منتهكة صلاحياته، خاضع للمجلس الشرعي المغتصب للسلطة والذي مدد أعضاؤه لأنفسهم». وقد وصلت الى مسامع المفتي ما قاله السنيورة إنه «لو بقي من عمري يوم فسأعزل المفتي». حتى الآن، استحصل السنيورة على 80 توقيعاً من أصل 106 من عدد أعضاء الهيئة الناخبة التي تنتخب المفتي. لكن حتى لو حصل السنيورة على توقيع الـ 106، فلن يستطيع عزل المفتي لأن الأمر بحاجة الى رئيس حكومة عامل، وهو غير موجود حالياً. كما يحتاج الى إجماع على أن المفتي قد ارتكب جريمة أو أنه يعاني مرضاً لا يخوّله إكمال مهماته، وهو ما لم يحدث حتى الآن. وقد أكد السنيورة منذ عام لقباني نيّته تعديل صلاحيات المفتي، قائلاً إن «المجلس الحالي هو الذي سيعدل المرسوم الاشتراعي رقم 18». فجاء رد المفتي «إن الدار عبارة عن مؤسسات لديها أنظمة، وحينما تنتهي ولاية المجلس يرحل ويتم انتخاب مجلس جديد». بالنسبة الى قباني، فإن «عالم الدين لا يخضع للحكام، لكن هذه السنوات الخداعات فضحت لنا كثيراً من أشباه الرجال الذين تنظر إليهم وتراهم بناس وما هم بناس».

ويؤكد المفتي قباني: «لا تهمني المناصب، والأسماء خائبة، والرجل هو الذي يعرف بحسن إرادته». يضيف «خروجي من دار الإفتاء وبعدي عن المنصب سيجعلان مواقفي أقوى، وسيرى من يدبّرون هذه المكيدة كيف سيحصلون على نتائج مكرهم». ويقول: «هنيئاً لهم محاولة عزلي، عزلهم الله من كل أمر».

وتقول مصادر دار الإفتاء إن «العديد من علماء الدين قد وقّعوا إما خجلاً أو مسايرة أو طمعاً في منصب أو كراهية بالمسؤول». وتروي تلك المصادر قصة شيخين عزل المفتي أحدهما من منصبه «فزعل ووقّع على عريضة السنيورة». وقد علم أن رئيس الحكومة الأسبق عمر كرامي أبدى حماسة في عزل المفتي، وهو ما نقله الرئيس ميقاتي عنه لأحد ضيوفه.

ويحاول السنيورة حالياً إقناع رئيس الحكومة الأسبق سليم الحص بعزل مفتي الجمهورية. ويؤكد المفتي أنه لا يحق لأحد «الحكم على مفتي الجمهورية، يريد السنيورة مفتياً هزيلاً مكبلاً». يعيد قباني التأكيد أن الإشكال ليس مع جمهور المستقبل، بل مع «قياداته التي تريد عالم دين تابعاً للسلطة».

هكذا، اشتدت المعركة بين مفتي الجمهورية والسنيورة، ويقول المفتي «فليقترفوا ما هم مقترفون، سيجزيهم الله وصفهم».