لم يعد في الأمر إنّ. لبنان دخل المستنقع السوري، بإرادته أو من دونها. لا يقف الأمر عند مشاركة مختلف الأفرقاء في الصراع السوري على الأرض السورية، ولو نفى البعض ذلك، ووجد البعض الآخر التبريرات، المقنعة منها وغير المقنعة.

لبنان بات جزءا لا يتجزأ من الأزمة السورية، وعلى أرضه هذه المرة، وكلّ المؤشرات لا توحي بذلك فحسب، بل تؤكده وتوثّقه، ولعلّ "العبوات المتنقلة"، التي تؤكد المصادر الأمنية أنها مرتبطة ارتباطا عضويا بالأزمة السورية، خير دليل على ذلك، خصوصا أنّ المعلومات تؤكد استهدافها لمواكب لـ"حزب الله"، على خلفية انخراط الأخير في الأزمة السورية.

وإذا كان كلّ ذلك غير كاف، انتقلت موجة "الاغتيالات" بدورها من الداخل السوري إلى "قلب" لبنان، الذي لا يبدو أنه بقي آمنا، لا للموالين ولا للمعارضين السوريين، بعد "نزوحهم الكثيف" إليه، وكان "الهدف الأول" المحلّل السياسي السوري ​محمد ضرار جمو​، على أمل ألا يكون "الآتي أعظم"!

اغتيال بالرصاص..

هكذا إذا، كان الوضع الأمني "الفالت" سيّد الموقف من جديد خلال الساعات الماضية في لبنان، وقد بلغ أوجه بتحوّل أرضه لساحة "اغتيالات سورية" تجلّت بما أعلن عن اغتيال السياسي السوري، رئيس الدائرة السياسية والعلاقات الدولية في المنظمة العالمية للمغتربين العرب، محمد ضرار جمو رمياً بالرصاص من قبل مسلحين مجهولين أثناء عودته إلى منزله في بلدة الصرفند جنوب لبنان. وجمّو يطل عبر الكثير من المحطات الفضائية بصفة محلل سياسي، وهو من المدافعين عن النظام السوري، وهو سجّل حوارا مع قناة "ANB" أمس لعرضه اليوم، وبذلك تكون هذه آخر إطلالاته الاعلامية بعد إطلالته يوم السبت الماضي في برنامج "مع الحدث" على قناة "المنار".

وفيما تم نقل جثت جمو إلى مستشفى علاء الدين في الجنوب، وباشرت القوى الأمنية التحقيق لمعرفة ملابسات الحادث وكشف الفاعلين، وبانتظار تكشف المزيد من المعطيات عن الجريمة، طرحت الحادثة الكثير من علامات الاستفهام التي ستحتاج إلى الاجابات خلال المرحلة المقبلة عما إذا كانت أرض لبنان باتت بدورها جزءا من المعركة، شاء من شاء وأبى من أبى، وعما إذا كان لبنان لم يعد آمنا بالنسبة للسوريين الذين يلجأون إليه "هربا" من بلدهم الذي لطالما كان نموذجا للاستقرار قبل أن يصبح بلد فوضى وحروب.

ولم يكن اغتيال جمو الخرق الأمني الوحيد الذي سُجّل خلال الساعات الماضي، إذ انهمكت الأوساط الأمنية بعد ظهر الثلاثاء بحلقة جديدة من مسلسل "العبوات المتنقلة" التي وصلت هذه المرة إلى الطريق الدولي عند مفرق مجدل عنجر ومفرق الأزهر قرب منطقة المصنع الحدودية، حيث انفجرت عبوة ناسفة مستهدفة موكبا لـ"حزب الله"، في حادثة هي الثالثة من نوعها، علما أنها أدّت إلى إصابة ثلاثة أفراد داخل سيارة من نوع "جي. أم. سي." فضيّة اللون رباعية الدفع. وقد ضربت قوة من الجيش طوقاً أمنياً مشدداً حول مكان الانفجار، ومنعت اقتراب الإعلاميين والمصورين والمواطنين، تحسباً من وجود عبوة ثانية. وبحسب خبير المتفجرات العسكري الذي عاين مسرح الانفجار، فإن العبوة صناعة يدوية، عبارة عن قذيفة مدفع هاون مجهزة بصاعق لاسلكي للتفجير عن بعد.

لقاء نصرالله وعون.. حصل!

سياسيا، بقي اللقاء "المفترض" بين رئيس تكتل "التغيير والاصلاح" العماد ميشال عون والأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله محور المتابعات، بظلّ رفض المصادر الرسمية للجانبين تأكيد أو نفي حصوله، علما أنّ العماد عون اكتفى، ردا على سؤال بعد اجتماع التكتل الأسبوعي، بالقول أنّ هذا اللقاء إن تمّ يكون قد تمّ وإن لم يتمّ فإنّه سيتم. لكنّ المعلومات الصحافية أكدت حصول اللقاء قبل يومين، وتحديدا ليل الأحد الاثنين، ووُصفت أجواؤه بالممتازة، حيث أشارت مصادر صحافية إلى أنّ الاجتماع سيعيد المياه إلى مجاريها بين الجانبين.

لكنّ "المياه" العائدة إلى مجاريها لا يبدو أنها شملت رئيس المجلس النيابي نبيه بري، إذا صحّ ما يُحكى عن "خلاف" بينهما ولم يكن مجرّد "مناورة" كما يصرّ خصومهما على القول باعتبار أنّ ذلك يؤدي لزيادة حصتهما في الحكومة العتيدة، إذ جدّد بري القول أنّ "الثلث المعطّل" لم يعد موجوداً، وأنّ فريق "8 آذار" لم يعد قائماً على مستوى التعاطي مع القضايا الداخلية، مشدّدا على أنّ العماد عون يعرف أنّ ما أعلنه من جهته جدي ونافذ، وقال: "لنفترض أنّ حصّة "حزب الله" هي وزيران وأن عون أُعطي خمسة وزراء، فالحزب وعون في هذه الحال لا يشكّلان الثلث المعطّل، وانّ الثلث المعطّل سيكون عندئذ لدى رئيس الحكومة المكلّف وفريقه".

وفي الاهتمامات السياسية، برز كلام لرئيس الجمهورية العماد ​ميشال سليمان​ خلال الافطار السنوي الذي يقيمه في قصر بعبدا، حيث أمل أن يدعو في الأيام المقبلة الى معاودة اجتماعات "هيئة الحوار الوطني"، كما أعلن انه سيطرح مبادرة لتوضيح بعض مواد الدستور، واعادة النظر في طريقة تعيين اعضاء المجلس الدستوري.

وفي قضية دار الفتوى، لفت الانتباه كلام يمكن وصفه بـ"الناري" صدر عن مفتي الجمهورية الشيخ ​محمد رشيد قباني​ الذي هاجم بعنف منتقديه، واصفا إياهم بـ"الأطفال"، على خلفية رفضهم الصلاة خلفه، قائلا: " عقول هؤلاء صغيرة، ويتصرفون مثل الأطفال، وما هكذا تكون الرجال". أكثر من ذلك، حرص قباني على تأكيد بقائه في منصبه حتى انتهاء ولايته أو وفاته، وقال عن محاولات عزله: "هنيئاً لهم محاولة عزلي، عزلهم الله من كل أمر". وأضاف: "فليقترفوا ما هم مقترفون، سيجزيهم الله وصفهم".

كلمة أخيرة..

يبدو أن مسلسل الخروقات الأمنية سيتفوّق على المسلسلات الرمضانية على غرارها، خصوصا أن "إنتاجه" على ما يبدو لبناني سوري مشترك، على غرار معظم هذه المسلسلات هذا العام..

هكذا، بين العبوة التي استهدفت موكبا لـ"حزب الله" بقاعا والاغتيال الذي استهدف السياسي اللبناني محمد ضرار جمو جنوبا، يبقى الأمن الفالت هو العنصر المشترك، الذي ينبئ بالمزيد من الأخطار المحدقة إذا لم يتدارك المسؤولون الموقف، وقبل فوات الأوان..