يعيش لبنان حالة فراغ سياسي مأزوم وفلتان أمني متنقّل، في ظل خطاب تحريضي متصاعد على الجيش اللبناني وحزب الله، وصلت ذروته بتكليف أربعة وأربعين محامياً من قبَل النائبة بهية الحريري للدفاع عن معتقلي أحمد الأسير، فضلاً عن التغطية السياسية المستمرة لكل تجاوز أمني، سواء في طرابلس وعرسال، رغم أن الجيش يقوم بإنجازات هامة بكشفه خلايا إجرامية، آخرها في البقاع اللبناني، ومع ذلك يستمر القنص السياسي على المؤسسة العسكرية انطلاقاً من محاور "المستقبل".

في ظل هذه الأجواء عرقل فريق 14 آذار للمرة الثانية إمكانية دوران عجلة العمل التشريعي وانعقاد جلسة مؤجلة لمناقشة خمسة وأربعين بنداً ومشروعاً شارك في إقرارها نواب من "المستقبل" و14 آذار أعضاء في هيئة مكتب المجلس، ما لبثوا أن تنصلوا من فعلتهم تحت الضغط السياسي، تماماً كما تنصّل الرئيس سعد الحريري من التمديد لقائد الجيش العماد قهوجي غداة معركة عبرا وسقوط المربع الأمني لأحمد الأسير، حيث عاد وتراجع عن تأييد التمديد بشكل قاطع.

هناك عناد واضح من فريق 14 آذار الذي يسوّق اجتهادات قانونية غب الطلب حول عدم قانونية أي جلسة يعقدها مجلس النواب الممدَّد له في ظل حكومة تصرّف الأعمال. هذا في الظاهر، أما في الظل فيعتقد رئيس مجلس النواب الرئيس بري، حسب مصادره، أن الهدف الأساس من وراء تعطيل عمل المجلس الخشية من قيام "حكم مجلسي" بغياب السلطة التنفيذية، وهذا مجرد أوهام. مصادر الرئيس بري تضيف أن رئيس المجلس يعترف أن التمديد لأي مؤسسة أو مسؤول هو أمر غير شعبي، لكن ظروفاً ضاغطة، أهمها الخشية من انفلات الوضع الأمني وغياب الاتفاق ولو بالحد الأدنى على قانون جامع للانتخابات، فرض علينا الذهاب إلى تمديد مجلس النواب، وكل الفرقاء والكتل السياسية بصمَت ووافقت على التمديد بطيب خاطر، لكن ما نريد عمله الآن هو إعادة الاعتبار للمجلس، وتفعيل إنتاجيته كي يقوم بدوره الطبيعي ويستعيد حيويته بالقيام بالمشاريع المطلوبة، في ظل الفراغ الحاصل، دون المساس بالسلطة التنفيذية، عملاً بمدأ فصل السلطات. وبرأي الرئيس بري فإن مجلس النواب هو أم السلطات الدستورية والمؤسسات الدستورية، وعمله ليس مرتبطاً بعمل المؤسسات الأخرى، لكن فكرة رئيس المجلس هي إيجاد تعاون بين السلطات القائمة، لخدمة الصالح العام، مع احترام خصوصية كل مؤسسة، ولهذا سيبقى الرئيس بري، ودائماً حسب مصادره، يدعو إلى عقد الجلسات واحدة تلو الأخرى حتى ينقطع النفس، أو فلتشكَّل حكومة المصلحة الوطنية منذ الآن، ولتتصدَّ للأمور الحساسة، لكن أن نقوم بنسف الجلسات بشكل كيدي فهذا أمر مرفوض، حيث العمل البرلماني يقتضي الاستمرار لا التعطيل.

ويستشهد الرئيس بري بأن مجلس النواب انعقد ذات مرة أيام إحدى حكومات الرئيس رفيق الحريري ولم يحضر من الحكومة سوى نفر من الوزراء، ومع ذلك تم عقد جلسة تشريعية، لاعتقاده أن العمل لا يستمر أو يستقيم إلا بتعاون السلطات، خصوصاً التنفيذية أو التشريعية.

في المقابل، يقوم فريق 14 آذار بسلسلة ممارسات مكشوفة، كتمرير الكرات إلى ساحة النجمة خلف مصيدة التسلل يتصدى لها رئيس المجلس بثقة عالية، مثل اقتراح الموافقة على التمديد لقائد الجيش، الذي تنتهي ولايته في أيلول المقبل، كشرط لازم للتمديد للواء أشرف ريفي، الذي يستحيل إعادته إلى قيادة الأمن الداخلي بعد تصريحاته الأخيرة.

إذاً، هناك حالة فراغ وشلل في كبرى المؤسسات، مع التنبيه إلى أن رئيس الجمهورية تنتهي ولايته في أيار 2014، لذلك يقول الرئيس بري "لا نريد أن ننام بين القبور أو نرى منامات وحشة"، والمطلوب الإسراع في تأليف حكومة تتمثل فيها قوى سياسية بحسب أحجامها الحقيقية، حاصراً خلافه مع العماد عون "في مسألة التمديد لقائد الجيش، أما في الحكومة فأنا مبدئي، ولا ندخل الحكومة إلا مجتمعين، وهناك تعاون فعلي في هذا الإطار".

على صعيد مسارات التفاوض لتأليف الحكومة، لم تنفكّ عقدة الرئيس تمام سلام القائمة على "ثلاث ثمانات" التي يقف وراءها فؤاد السنيورة، مقابل رفض قوى 8 آذار الفكرة، حيث يقول الرئيس المكلف إنه الضمانة في أي قرار يُتَّخذ، وأنه لا يمشي في أي أمر لا يحظى بموافقة الأطراف كلها.

هذا الكلام ليس له صدى إيجابي عند قوى 8 آذار، المصرّة على نسبة تمثيل حقيقية بحسب الأحجام، فإذا كانت الحكومة من 24 وزيراً، فإن حصة الوزراء الشيعة هي 5، أما إذا كانت من 30 وزيراً فـ6 وزراء، وهناك اتفاق بين الثنائي الشيعي على هذا الأمر. أما التيار الوطني الحر فيطالب بخمسة وزراء إذا كانت الحكومة من 24 وزيراً، وستة إذا كانت ثلاثينية، ومن هنا يبقى الخلاف قائماً، وإذا ما استمر الدوران في حلقة مفرغة فإن الخشية من أن يستغل أعداء لبنان ذلك الفراغ المخيف للقيام بأعمال أمنية تجعل البلد كله مكشوفاً أمام الخطر، وقد بدأنا نرى طلائعها القذرة سواء بانفجار بئر العبد، أو بالعبوة الناسفة عند مجدل عنجر، أو باغتيال المناضل السوري محمد ضرار جمّو في الصرفند..