هو "الأمن الفالت" تصدّر المشهد السياسي خلال الساعات الماضية على وقع اغتيال السياسي السوري ​محمد ضرار جمو​ على أرض لبنان، في جريمة أتت "تتويجا" لسلسلة من الأحداث الأمنية المتنقلة بين انفجار هنا وعبوة هناك..

هو "الأمن الفالت" الذي كرّس على ما يبدو تمدّد الأزمة السورية إلى الداخل اللبناني، الأمر الذي لم يعد شعار "النأي بالنفس" ينفع معه، والذي لم يعد لا "إعلان بعبدا" ولا تعهّدات الأفرقاء بمفيدة في تجنّب "كأسه المرّة"..

هو "الأمن الفالت" الذي وسّع المخاوف بل "شرّعها" بكلّ ما للكلمة من معنى، حيث لم يعد المواطن اللبناني يشعر بـ"الأمان" في أيّ منطقة، حتى تلك المناطق التي كانت توصف حتى الأمس القريب بـ"الآمنة"، بظلّ خشية حقيقية وجدية من وجود "شيء ما" يُدبّر للبنان في المرحلة المقبلة..

ووسط هذا "الأمن الفالت"، تبقى الملفات السياسية على "جمودها"، وكأنّ كل ما حصل ويحصل وسيحصل لا سمح الله ليس كافيا حتى تعي القيادات السياسية أنّ "واجبها" يقتضي منها الترفّع عن المصالح والخلافات والنظر إلى مصلحة الوطن، كلّ الوطن..

لا خيوط.. استنكارات فقط

كما كان متوقعا، استحوذت جريمة اغتيال المحلل السياسي السوري ورئيس الدائرة السياسية والعلاقات الدولية في المنظمة العالمية للمغتربين العرب محمد ضرار جمو على مجمل الاهتمام في الداخل اللبناني والسوري خلال الساعات الماضية، خصوصا أنها تُعدّ الجريمة الأولى من نوعها على الأرض اللبناني، الأمر الذي فتح المجال أمام مخاوف جدية من إمكان أن تكون مقدّمة لـ"مسلسل" قد يكون طويلا وداميا جدا.

وفي حين كانت "الاستنكارات" سيّدة الموقف، وهي التي شملت فريقي الصراع في لبنان وسوريا، ورفضها خصوم جمو الموالي للنظام السوري كما مؤيدوه، أقلّه ظاهريا، فإنّ المعطيات الأولية لم تبرز أيّ "خيوط عملية" بعد أن نجح الجناة، الذين رجّحت التحقيقات الأولية أن يكونوا ثلاثة، في الهرب مستفيدين من مكان منزل جمو المحاط بالأحراج والبساتين، بل إنّ المعلومات أشارت إلى أنّ الموقوفين الثلاثة الذين تمّ التحقيق معهم بعيد الجريمة لا علاقة لهم بها كما ظهر في المعطيات.

وفي حين ذكرت المعلومات أنّ التحقيقات تتركز على السوريين المعارضين للنظام السوري وخصوصا بعد معطيات وردت عن ان سيارة او أكثر كانت ترتاد المكان الذي يقيم فيه جمو، لفت تحميل وزارة الاعلام السورية من أسمتها "القوى الظلامية المتطرفة" المسؤولية الكاملة عن الجريمة ودعوتها السلطات اللبنانية التحقيق في هذه الجريمة لمعرفة مرتكبيها وملاحقة الفاعلين وتقديمهم للقضاء لينالوا جزاء مقابلا ومعادلا لما ارتكبوه. وفي وقت لم يتبنّ أيّ فريق "المسؤولية" عنها، برز كلام رافض لها من قبل "الجيش السوري الحر"، حيث لفت قول منسقه السياسي والاعلامي لؤي المقداد، في حديث لصحيفة "النهار"، أنه يعتبر "معاقبة جمو من دون محاكمة عادلة جريمة".

الوضع الأمني.. إلى أين؟

ولعلّ المخاوف الأمنية التي حملتها معها جريمة اغتيال جمو تكاد لا تعدّ ولا تُحصى، وهي التي أنذرت باستباحة جديدة للسيادة اللبنانية تكاد تكون تداعياتها الوخيمة أخطر بكثير مما يظنّ البعض، في ظلّ الانكشاف السياسي والأمني الذي يتصاعد تدريجيا يوما بعد يوم. وقد برز في هذا السياق سعي المعنيين إلى التقليل من شأن "المخاوف"، حيث اعتبر وزير الداخلية والبلديات في حكومة تصريف الاعمال مروان شربل أن جريمة اغتيال ضرار جمو في الصرفند هي جريمة سياسية، لافتا الى أن الجو السياسي الصعب الذي يعيشه لبنان والجو الأمني الذي يحيط بهذا البلد، إضافة الى إنتشار السلاح في المناطق، لا يبعث على الارتياح، لكنه أكد أنّ هذه الأحداث المتنقلة لا تشكّل "خطرا كبيرا" على البلد.

وفي السياق نفسه، نقلت صحيفة "النهار" عن مصدر أمني تأكيده أن ما حصل وما يمكن ان يحصل تباعاً لا يزال محدوداً في المكان والزمان، موضحاً ان لا تخوف من حصول انهيار أمني كبير في الوقت الحاضر اذ ان الجيش وقوى الأمن حسمت قرارها في التصدي لأي محاولة لزعزعة الأمن، لكن الاحداث المتنقلة والفردية أحياناً لا يمكن السيطرة عليها، ولفت الى أن نقل اطنان من المتفجرات الى لبنان دفعة واحدة هو كلام مبالغ فيه إذ لا يمكن اي فريق داخلي او خارجي شحن أطنان من المتفجرات دفعة واحدة.

لكنّ كلّ هذه الأحداث، على خطورتها، لم تحرّك الملفات "المجمّدة"، وفي مقدّمها تشكيل الحكومة الذي بقي "معلّقا" بانتظار "المعجزة" التي يمكنها إلغاء "الشروط التعجيزية"، في وقت عاد الحديث عن "حكومة أمر واقع" قد يلجأ إليها رئيس الحكومة المكلف في حال "انسداد الأفق" أمامه، علما أنّ صحيفة "الأخبار" نقلت عنه "عتبا شديدا" لديه على "حزب الله" وتيار "المستقبل"، إذ إنّ كليهما، برأيه، لا يسهّلان مهمته ويرغمانه على التعايش تحت سقف الشروط الصعبة، بل "المستحيلة".

كلمة أخيرة..

الوضع الأمني ينهار، المخاوف الأمنية من انفجار كبير باتت أكثر من مشروعة، والسياسيون يتفرّجون ويستنكرون..

بين العبوات المتنقلة والانفجارات المتفرّقة والاغتيالات المخيفة، لم يغيّر السياسيون عادتهم، وبقوا يتفرّجون ويستنكرون، دون أن يشعروا بأنّ "الجمود القاتل" الذي يعيشون فيه لم يعد مقبولا، ودون أن يدركوا أنّ "الفراغ" الذي يجرّون البلاد إليه على كلّ المستويات "كارثي"..

السكوت لم يعد جائزا، والاستنكار من قبل من يفترض بهم التحرّك بات مستفزّا، والمطلوب أكثر من ذلك بكثير، وقبل فوات الأوان!