التمديد لقائد الجيش العماد جان قهوجي، والذي سبقه التمديد أيضاً لمجلس النواب سلّطا الضوء مجدداً على العلاقة غير المستقرة في الأساس بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس "تكتل التغيير والاصلاح" النائب ميشال عون، وإن كانت لا تخرج عن الثوابت الأساسية التي تقوم عليها بنية 8 آذار، رغم أن أغصان بعض أجنحته تتكسر، وهذا ما لم يصدقه "تيار المستقبل" حتى الآن.

ومرّت العلاقة بين الرجلين طوال الأعوام الأخيرة في مرحلة من الإدارة المعقّدة ولا تزال. وكم عانى حليفهما المشترك "حزب الله" وهو يقلل من انعكاسات هذا الخلاف وسعيه الدائم الى الحفاظ على أكبر قدر من التماسك في صفوف هذه الجبهة منعاً من وصولها الى حافة الانفراط. وبقيت هذه المنظومة متماسكة الى حين تباعدهما بدءاً من الانتخابات النيابية في دائرة جزين عام 2009 وصولاً الى محطات عدة، ليس أقلها عدم وجود رؤية مشتركة في إدارة ملف النفط من خلال تولي الوزير جبران باسيل حقيبة الطاقة وسعي بري الدائم الى وضع هذا الملف على سكة التنفيذ، وهذا ما عمل على إدراجه وإنجازه داخل مجلس النواب.

ومن الخلافات الأخرى التي قصمت ظهر هذا التحالف، التمديد لمجلس النواب وصولاً الى طريقة التعامل مع مياومي شركة الكهرباء. وجاء التمديد لقهوجي ورئيس الأركان اللواء وليد سلمان ليتبيّن أن هذا الاخراج جرى إعداده في "مختبر عين التينة" بعد تعذّر سلوكه في مجلس النواب وحكومة تصريف الأعمال، وإن يكن بري لا يحبذ التطرق الى هذه النقطة التي وضعها مع الرئيس ميشال سليمان قبل سفر الأخير الى الولايات المتحدة الاميركية الاسبوع الفائت.

ويحيل بري سائله عن هذا الموضوع على وزير الدفاع فايز غصن. وبات من الواضح ان تشابك المصالح بين قوى 8 آذار أوصلها الى هذه "الهزة" التي عاشتها قوى 14 آذار عند احتدام النقاشات في مشروع "اللقاء الأرثوذكسي" للانتخابات النيابية، والذي وصلت حدته الى حد تبادل الاتهامات من العيار الثقيل بين "تيار المستقبل" وحزب "القوات اللبنانية".

وكان من ارتدادات هذه "الهزة" داخل 8 آذار انها اصابت أيضاً العلاقة بين عون ورئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية، وكيف أن الوزير غصن ساهم في إخراج تأجيل تسريح قهوجي وتمديد ولايته على رأس مؤسسة الجيش، الامر الذي أغضب العونيين في الصميم أيضاً.

وثمة من بدأ يفكر في مآل العلاقة بين العونيين و"المردة" في الانتخابات النيابية المقبلة رغم تأجيل هذا الاستحقاق، وما يمكن الطرفين أن يفعلاه في قضاء البترون على سبيل المثال. وإذا استمر خلافهما على هذا المنوال هل تبقى من آمال لدى الوزير باسيل في الوصول الى ساحة النجمة لاحتلال أحد المقعدين المارونيين في هذه الدائرة، وإن كان صديقهما المشترك نائب رئيس مجلس النواب سابقاً إيلي الفرزلي يقول إن الحديث عن هذا الخلاف والضجة الاعلامية المرافقة له تناقض واقع العلاقة بينهما؟

والواقع أن الغيارى والحرصاء على وجود 8 آذار سيتدخلون لرأب الصدع وإجراء عملية ترميم بين أفرقائها، ولا سيما بين بري وعون. ويبدو أن اللقاء الأخير الذي جمع عون والسيد حسن نصرالله لم يجر فيه الاتفاق على كل الملفات، ومنها التمديد لقهوجي، مع حرص "حزب الله" على عدم الوصول الى افتراق افرقاء 8 آذار.

ويبقى السؤال الذي يفرض نفسه: هل الحزب قادر على ضباط عوامل الاختلاف هذه، وأقله الحفاظ على "المساكنة السياسية" بين "التيار الوطني الحر" وحركة "أمل"، والمهددة بالوصول الى الطلاق ولا سيما بعد حديث عون عن مجلس الجنوب وطرق الرقابة المالية على هذه المؤسسة التي تعمل بإشراف رئاسة مجلس الوزراء؟

وإذا تفاعل السجال الاعلامي بين عين التينة والرابية وامتد الى الخطابات والتصريحات بين نواب الفريقين، فهذا يعني "فلتان الملق" بينهما والدخول في عملية خلط أوراق سياسية تبدأ من ملف مياومي الكهرباء وتنتهي عند اسم رئيس الجمهورية المقبل أو التمديد للرئيس ميشال سليمان.

هذا الموضوع يبقى محل متابعة عند الرئيس بري وإن يكن لا يميل بدوره الى الخوض في سجال مع عون إلا عند الضرورة، وإن يكن الأخير أيضاً "يتذكّر" رئيس المجلس وينتقده على طريقته في إطلالاته الإعلامية رغم سعي النائب ابرهيم كنعان الى تقريب وجهات النظر بينهما.

يقول بري في هذا الخصوص إن التحالف (مع عون) لا يعني التطابق في كل شيء. ويشبّه الأمر على شكل هيكل تقوم أعمدته على قواعد وركائز مشتركة يشدد التحالف على تماسكه والإبقاء عليه مثل الاتفاق على عروبة لبنان وخيار دعم الجيش وحماية المقاومة، وإن الاختلاف حق مشروع في "ألوان جدران المبنى" والموضوعات السياسية الداخلية.

ويعطي مثلاً على ذلك أيضاً كيف دبّ الخلاف بين أفرقاء 14 آذار بسبب "المشروع الارثوذكسي" وعودة "شهر العسل" بين "تيار المستقبل" و"القوات اللبنانية".

يبدو أن "حزب الله" هذه المرة يحتاج الى صنع "عسل سياسي" ومن نوعية جيدة، ليضعه على مائدة حوار في مصارحة حقيقية بين بري وعون.