لفت البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي الى "أن على أصحاب السلطة في لبنان والأفرقاء المتنازعين الرافضين الجلوس معا الى طاولة الحوار والذين يعطلون تشكيل حكومة جديدة ويشلون عمل المجلس النيابي ويعلقون مجرى الحياة العامة، أن يدركوا أنهم هم أنفسهم المسؤولون عن الفلتان الامني وتفشي السلاح غير الشرعي وتنقل السيارات المفخخة من منطقة الى أخرى وعن التسبب بالانفجارات"، مشيرا الى "أن دماء الشهداء تستصرخ ضمائرهم". وقال: "إن مسؤوليتهم الجسيمة عن هذه الكوارث الوطنية، توجب عليهم إخراج لبنان من محاور النزاع الإقليمي المذهبي وارتباطاته الدولية، وتحريره من إملاء القرار الخارجي والتبعية له، وعدم ربط مصيره بتطور الأحداث في سوريا وسواها. ولكنهم لن يستطيعوا فعل ذلك إلا بالحوار المسؤول والصادق وبسلامة النوايا، والتجرد من المصالح والحسابات الشخصية والفئوية والمذهبية. هذا ما سمعنا الشعب يدعو إليه في الضاحية وفي طرابلس. وأكبرنا مبادرة الأطفال والنساء الذين نثروا الورود في الضاحية، علامة محبة وتضامن مع أهل طرابلس، ونبذا للعنف والنزاعات السياسية - المذهبية".

وتابع خلال ترؤسه قداس الاحد في كنيسة الصرح البطريركي في الديمان، "إن مسؤولية المرجعيات السياسية عن التسبب بالفلتان الأمني وتنقل السيارات المفخخة، توجب عليهم أيضا، بحكم ضميرهم الوطني، تلبية دعوة رئيس الجمهورية، في ندائه مساء أمس، إلى اتخاذ قرار وطني مسؤول يؤدي إلى المصالحة الوطنية، وإلى تسهيل التأليف لحكومة جديدة قادرة، وإلى الجلوس إلى طاولة الحوار الوطني من دون شروط. فالحوار الوطني المخلص والمتجرد يصل في إيجابياته ونتائجه إلى ما يفوق كل الشروط. بل هذا النداء يأتي من الضحايا البريئة التي أوقعتها الانفجارات في الضاحية وطرابلس".

واوضح الراعي انه "لا يسعنا في المناسبة إلا أن نستنكر وندين بشدة الإنفجارين المروعين في طرابلس عاصمة الشمال في الأول من أمس، وقد وقع ضحيتهما مواطنون أبرياء: ما يزيد على خمسة وأربعين شهيدا، وخمسماية جريح، وأضرار مادية باهظة. يا لهول الجريمة ضد الله والإنسانية ولبنان وشعبه، وقد تلت تفجير محلة الرويس في ضاحية بيروت الجنوبية التي أدانها الجميع. إننا نصلي لراحة نفوس الضحايا في محلة الرويس وفي طرابلس، ونعزي أهلهم. ونلتمس من الله الشفاء للجرحى، ونتعاطف مع جميع المتضررين في بيوتهم ومحالهم التجارية وممتلكاتهم. ونحيي شباب طرابلس والضاحية وحركة "معا نعيد البناء" وكل ذوي الهمم والمؤسسات التي تعمل بكل قواها لإعادة البناء ومساعدة العائلات للعودة الى المنازل والمحال التجارية وممتلكاتهم. ودعا المواطنين ولا سيما في الضاحية وطرابلس الى "الوعي والتروي وأخذ الأمثولة البناءة، والإلتزام في شد أواصر الوحدة الداخلية وفي دعم الجيش والقوى العسكرية والأمنية التي وحدها تحمي الجميع. فلا أحد من الشعب اللبناني يريد استبدالها بالأمن الذاتي المرفوض من الجميع".

أضاف: "يا له من إجرام ارتكب في جنوب العاصمة بيروت وفي قلب طرابلس عاصمة الشمال. إنه يدل على الوحشية، وتجريد الإنسان من إنسانيته لدى كل من يقترفه ويدبره ويموله ويحرض عليه! ما معنى هذا الإجرام المتزايد في لبنان وسوريا ومصر والعراق ؟ أهذه هي الحضارة التي بناها معا المسيحيون والمسلمون منذ ألف وأربعماية سنة في أوطانهم؟ نحن المسيحيين نرفض أن يشوه الدين الاسلامي بمثل هذه الممارسات. ماذا نقول للعالم المتمدن عن حضارتنا في العالم العربي؟ ليست ثقافتنا ثقافة القتل والدمار، بل ثقافة الحياة والبناء والترقي. اي إرث يترك الكبار للأجيال الجديدة؟ وفي مصر، ما معنى الاعتداء على كنائس المسيحيين وقد أحرق منها المعتدون ثلاثا وسبعين كنيسة؟ إننا نتعاطف مع الشعب المصري، ونؤيد رفضه لممارسة العنف والإرهاب والاعتداء، وندعوه بحكم حضارته العريقة الى وحدته الداخلية والصمود بوجه الشر. الوجود المسيحي في مصر يرقى إلى ألفي سنة، إلى عهد العائلة المقدسة الهاربة من شر هيرودس الملك. ولقد طبعت المسيحية بوجودها وأديارها الزاهرة ومؤسساتها التربوية والاقتصادية والتجارية والفنية ثقافة مصر وأسهمت في حضارتها. الاقباط هم السكان والمواطنون الأصليون والأصيلون في مصر. لهم في حضارتها وثقافتها أكثر من غيرهم. فيجب على الدولة تأمين كل حقوقهم كمواطنين، والسهر على أمنهم وسلامة ممتلكاتهم بوجه المتطرفين المعتدين".

وتابع: "فيما البلدان العربية، في معظمها، تبحث عن هويتها، ولكن بكل أسف، عن طريق العنف والقتل والدمار وتمزيق العائلة الاسلامية من الداخل، نرى بكل أسف أيضا، أن لبنان، بالمقابل، آخذ في نسيان هويته وتشويهها بسبب الصراع السياسي - المذهبي، وفي فقدان دوره ورسالته في الأسرتين العربية والدولية، وبخاصة على مستوى العيش المشترك والتفاعل بين المسيحية والإسلام. ذلك أن الأفرقاء السياسيين المتنازعين على أساس سياسي - مذهبي، إنما ينتهكون الميثاق الوطني، ميثاق 1943، الذي يشكل الصيغة النهائية للتاريخ التعايشي بين المسيحيين والمسلمين"، وختم: "إننا نصلي لكي يدرك المسؤولون السياسيون مسؤوليتهم في الحفاظ على لبنان الوطن النموذج والرسالة، فيعودوا إلى تجديد ميثاقنا الوطني وتطويره، فيكون للبنان دوره المساهم في انبثاق فجر للربيع العربي المنشود. وليتمجد الله في خلقه، الآب والابن والروح القدس".