على وقع التهديدات الغربية المتصاعدة حول إمكانية التدخل العسكري المباشر في سورية من خلال توجيه ضربات عسكرية محدودة تعتمد على صواريح مجنحة موجهة من نوع كروز توماهوك تطلق من على متن البوارج الأميركية الموجودة في البحر المتوسط أو من خلال توجيه ضربات جوية بصواريخ بعيدة المدى تطلق من أمدية بعيدة عن مستوى الدفاعات الجوية السورية.
جاء التصريح الروسي على لسان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي أكد أن موسكو تعارض أي تدخل بدون قرار من مجلس الأمن الدولي مشيرا الى أن الدول الغربية لم تقدم أي أدلة بشأن استخدام السلاح الكيماوي في سورية.
اللافت في تصريح الوزير الروسي أنه أشارالى أن روسيا لن تدخل في حرب ضد أحد في حال التدخل العسكري في سورية وأضاف أن: «هذا طريق خطير للغاية وإن شركاءنا الغربيين قد ساروا فيه مرات عديدة» معرباً عن أمله بأن «يتغلب العقل السليم ويجب أن نفكر معا ليس في حل قضايا هذا البلد أو ذاك بدلا من أن يحلها بنفسه وليس في دعم مجموعة معينة من الدول ضد مجموعة أخرى بل في كيفية تهيئة الظروف لتحقيق المصالحة ومراعاة حقوق الناس».
لافروف قال: «تلقيت بقلق بالغ التصريحات التي تطلق من باريس ولندن حول أن الناتو قد يتدخل لتدمير الاسلحة الكيماوية في سورية حتى من دون قرار من مجلس الأمن الدولي» و أن الدول الغربية لم تقدم أي أدلة بشأن استخدام السلاح الكيماوي في سورية لكنها تواصل اطلاق التصريحات حول تخطي كافة الخطوط الحمراء وأن هذه الدول تأخذ لنفسها دور مجلس الأمن الدولي من دون أن تنتظر نتائج التحقيق الأممي بشأن المعلومات عن استخدام السلاح الكيماوي .
الوزير الروسي أضاف أن ما يجري الان هو عملية ترويع مماثلة لتلك التي كانت قبل الحرب في العراق قبل 10 سنوات مشيرا الى أن تطور الوضع لاحقا لا يمكن التنبؤ به.
وأكد أنه «لم يؤد أي تدخل خارجي باستخدام القوة الى احلال السلام وتحسين حياة الناس» مشيرا الى نتائج ما جرى في العراق وليبيا داعياً الى «عدم تكرار أخطاء الماضي» وشدد لافروف على أن كافة جهود المجتمع الدولي بشأن سورية يجب أن «ترمي الى طرد الارهابيين من البلاد وليس الى تصعيد المجابهة وزيادة المجموعات الضاربة من القوات في المنطقة» واردف قائلا: «يجب أن نبعث باشارات منسقة الى الحكومة والمعارضة بشأن عدم وجود بديل لتسوية النزاع سياسيا عبر الحوار المباشر».
الوزير الروسي تطرق الى موضوع «جنيف 2» وقال إنه من الواضح أن المعارضة السورية لا تريد المفاوضات ولا توافق إلا على «استسلام النظام» وأضاف إن «مثل هذه المواقف ستتعزز بنتيجة الحملة الاعلامية القوية التي قد أطلقت دعما لحل الأزمة السورية عسكريا».
وأضاف إن «سير الأحداث يؤكد بشكل عام أنه كلما ظهرت فرصة لإطلاق عملية سياسية بدأت هناك محاولات لتغيير النظام بالقوة وإحباط هذه الفرص» مشيراً الى أن موجة الهستيريا حول استخدام السلاح الكيماوي في سورية والتي أثيرت في الفترة الاخيرة تهدف الى احباط مؤتمر «جنيف-2» الدولي حول تسوية الازمة السورية مشيرأ في الوقت نفسه الى أن نظيره الأميركي جون كيري أكد له في المكالمة الهاتفية الأخيرة تمسك الولايات المتحدة بعقد المؤتمر وتعهد ببذل الجهود لحث المعارضة السورية على المشاركة في المؤتمر .
تصريحات الوزير الروسي جاءت غداة مقابلة أجرتها صحيفة أزفستيا الروسية مع الرئيس بشار الأسد أكد فيها أن أي ضربة أميركية لسورية مصيرها الفشل مضيفاً أن العلاقات الروسية - السورية مبنية على تراكمات ثقافية وأجتماعية وأن روسيا تدافع عن مصالحها في المنطقة «وهذا حقها» وهذه المصالح ليست كما يقول بعض المحللين السطحيين «مرفأ في طرطوس مثلا» بل هناك ما هو أعمق وأهم بكثير من ذلك مضيفاً أنه لو كانت روسيا ستساوم لكان حصل ذلك منذ عام أو عامين عندما كانت الصورة غير واضحة تماماً لبعض المسؤولين الروس أما اليوم فالصورة واضحة تماماً من لم يقم بالمساومة في حينها لن يقوم بها الآن بحسب الرئيس الأسد.
الأسد قلل من أهمية التصعيد الغربي وقال إن هذه ليست المرة الأولى التي يطرح فيها الخيار العسكري ضد سورية فمنذ البدايات سعت الولايات المتحدة الأميركية ومعها فرنسا وبريطانيا إلى التدخل العسكري لسوء حظهم سارت الأمور باتجاه آخر وجاء التوازن في مجلس الأمن في عكس مصلحتهم وحاولوا كثيراً مساومة روسيا والصين على موقفهما ولم يتمكنوا من ذلك فهم يمكنهم بدء أي حرب لكن لا يمكن لهم أن يعرفوا إلى أين ستمتد أو كيف لها أن تنتهي وبالتالي وصلوا الى قناعة أن كل السيناريوهات التي وضعوها خرجت عن سيطرتهم في النهاية وقال «ان الدول العظمى قادرة على شن الحروب نعم لكن هل هي قادرة على الانتصار».
اتجاهات التصريحات الغربية والروسية التصريحات الغربية والروسية يمكن تفسيرها باكثر من أتجاه:
الأول يقول إن التصعيد الغربي بقيادة الولايات المتحدة جاء نتيجة فشل كل الحلول الممكنة لوضع حد للوضع القائم في سورية وإن الولايات المتحدة من خلال الضربة العسكرية المحدودة التي يمكن أن توجهها ستسمح بتوازن قوى بين المسلحين والجيش السوري ما سيشكل ضغط على الحكومة السورية للذهاب الى «جنيف 2» وسيتيح للمعارضة فرصة تمكنها من السيطرة على بعض الأجزاء من سورية وبذلك ستسحب منها المعارضة ذريعة عدم توازن القوى لتذهب بها الى المؤتمر وكل ذلك بتوافق روسي - أميركي من تحت الطاولة بشرط روسي أن تكون الضربة العسكرية محدودة وأن لاتشكل أنهيار تام للجيش السوري وبدون علم الجانب السوري وهذا ما يفسر تصريحات لافروف بأن موسكو لن تنجر الى حرب اذا ما حصل تدخل عسكري في سورية وبذلك ستكون أمكانية عقد «جنيف 2» قد تطورت وأصبح من المعقول عقده في ظل توازن القوى الجديد على الأرض.
الاتجاه الثاني يقول إن موسكو تعرف أن التهويل الغربي هو مجرد ضجيج أعلامي لن يتطور ليصل الى حد التدخل المباشر خاصة اذا ما جاءت تقارير اللجنة الأممية المكلفة التحقيق باسخدام الكيماوي لصالح الحكومة السورية ما يسمح لموسكو بتعزيز موقفها أما المجتمع الدولي خاصة أنها متأكدة أن من استخدم الكيماوي في الغوطة الدمشقية هي فعلاً المجموعات المسلحة.
وهناك اتجاه آخر والذي لم يأخذ حيزاً مهماً من التحليلات وهو أن موسكو مستعدة لدخول حرب مع الولايات المتحدة بالخفاء أي أن تصريحات لافروف كانت متوقعة بأن موسكو لن تنجر الى حرب مع الولايات المتحدة وهذا تصريح بديهي ولكن سيكون بالمقابل دعم روسي مباشر لدمشق من خلال أحدث الأسلحة والخبراء وبعض فرق الكوماندوز الروسي المدربة تدريباً عالياً والتي ستشارك فعلاً في أي حرب يمكن أن تشتعل في سورية .
إذا إن النسب بين أمكانية أو عدم أمكانية حصول ضربة عسكرية مباشرة لدمشق هو أمر متساو في ظل الحسابات الغربية المستمرة بالتغير يوماً بعد يوم لا يمكن التنبؤ أو الجزم بذلك.