عاشت دمشق في ظل التهديدات الغربية يومين عصيبين القلق والتحدي وبدا واضحاً على وجوه السوريين القلق من عواقب الغزو الأميركي المحتمل والتحدي القوي لهذا الغزو اذا ما حصل وهي سمة تاريخية تعرف بها شعوب الهلال الخصيب سورية الطبيعية بشكل خاص.

بالأمس خرج «معلم» الدبلوماسية السورية ليظهر حنكة سياسية قل نظيرها في عصرنا الحالي في مؤتمر صحافي اتسم بالثقة والوضوح. الوزير المعلم أكد خلال المؤتمرعلى نقاط جوهرية أهمها أن موسكو تقف موقفاً ثابتاً من دمشق وهو موقف الحليف الاستراتيجي الذي لا يتخلى عن حلفائه مهما حصل مشيراً في هذا الصدد الى تصريحات وزير الخارجية الروسي الأخيرة سيرغي لافروف عندما قال « إن موسكو لن تنجر الى حرب اذا ما حصل تدخل خارجي في سورية « المعلم قال إن تصريحات لافروف هي تصريحات من البديهي والمنطقي أن تأتي على لسان وزير خارجية وقال «ماذا تتوقعون أن يقول وزير خارجية روسيا في مثل هكذا مناسبة.. هل نريد حرباً كونية لتصل الى اراضينا؟!» ولكن ما الذي خفي وراء هذا الجواب؟.

المعلومات تقول إن الجانب الروسي وبتنسيق تام مع الحكومة السورية على علم كامل بالخطة الأميركية للهجوم من الناحيتين العسكرية والسياسية وان موسكو كانت قد هيأت دمشق لهذه الضربة بشكل كامل.

فالضربة المزعومة آتية لامحالة ولكن ما الهدف الاساسي من وراء هذا الفعل الأميركي؟.

تقول مصادر مطلعة للبناء إن الضربة الغربية لدمشق ستكون محدودة ومن دون دخول بري ولن تؤثر بشكل مباشر على الجيش السوري أو تؤدي الى إسقاط الدولة النظام ولن تغير توازن القوى على الأرض مع المسلحين وستقتصر على ضرب أهداف معينة ومدروسة لن يكون لها تأثير على مجريات الأحداث وهذا ما تؤكده كل التصريحات الغربية آخرها تصريح لمسؤول بريطاني قال « إن بلاده لا تسعى لإطاحة النظام في سورية «.

أما الهدف فيتلخص بإخراج الادارة الأميركية من مأزقها أمام الكونغرس والمؤسسات الحكومية الأميركية وحلفائها من ناحية الاحراج الذي وقعت فيه ادارة أوباما لعدم الإقدام على رد مباشر على دمشق النظام السوري والذي يتهمه الغرب باستخدام السلاح الكيماوي في هجومه على الغوطة الشرقية لدمشق ومن أجل تطوير حل سياسي يعقب الضربة الأميركية من أجل السير بخطى ثابتة الى مؤتمر «جنيف 2 «.

ولذلك فان الاطراف المعنية مباشرة بالأزمة السورية كانت قد هُيئت للضربة الأميركية فقد أكدت مصادر لـ «لبناء»أن زيارة جيفري فيلتمان الى طهران منذ يومين كان هدفها وضع الجانب الايراني في صلب الخطة من أجل ضمان رد الفعل الايراني وهذا ما أكده الوزير المعلم في مؤتمره عندما قال رداً على سؤال اذا ما كانت زيارة فيلتمان الى طهران هي صفقة مع الولايات المتحدة فقال «ان طهران حليف استراتيجي لدمشق ولا تعقد صفقات من وراء ظهرنا ما يشير الى علم الطرف السوري بكامل التحركات الدولية».

وقد تم أيضاً تهيئة الظروف الدولية من خلال اتصالات مكثفة أجراها الجانب الأميركي مع مختلف الدول اضافة للاجتماع الذي عقد في الاردن منذ يومين والذي ضم قادة عشرة جيوش منها بريطانيا وفرنسا والسعودية وامريكا والذي جرى التكتم على نتائجه بشكل غير مسبوق.

وقد صدر بالأمس عن الجامعة العربية بعد جلستها الطارئة بيان حمّلت فيه الجامعة دمشق المسؤولية التامة عن الهجوم المفترض بالسلاح الكيماوي في ريف دمشق الاسبوع الماضي وعبّر مجلس الجامعة عن «إدانته واستنكاره الشديدين للجريمة البشعة التي ارتكبت باستخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليا « وطالبت الجامعة «بتقديم المتورطين كافة عن هذه الجريمة النكراء لمحاكمات دولية عادلة « حسب ما جاء في البيان وقد حظي البيان بدعم قوي من السعودية وقطر.

أما عن الرد السوري فكيف سيكون؟. المعلم قال «إن هناك خياربن وحيدين للرد اما الاستسلام والخنوع أو الرد والدفاع» وأضاف « نفضل الضربة العسكرية على محاولات الابتزاز الأميركية « معتبراً أن «واشنطن نسفت مؤتمر جنيف 2».

وتابع قائلاً «لا أريد أن أجزم إطلاقاً بحرب أميركية على سورية وفي حال حصلت الضربة أمامنا خياران سندافع عن أنفسنا بالوسائل المتاحة وسنفاجئ العالم» موضحاً أن الضربة لن تؤثرعلى الجهد العسكري الجاري حالياً في الغوطة» إذا العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش السوري مستمرة برغم التهديدات الغربية وستزداد زخماً اذا ما حصلت الضربة وذلك لمنع المسلحين من استغلال الغارات الغربية على المناطق السورية لدخول العاصمة دمشق وقد أكد الوزير المعلم أن هذه الضربة العسكرية ستأتي رداً على انتصارات الجيش السوري في معركة الغوطة الهامة.

وقد ذكرت مصادر مطلعة للبناء أن الرد السوري على أي عمل عسكري محتمل سيتلاءم مع الفعل الغربي وسيكون رد الفعل السوري مدروس ومحدد وسيقتصر على الدفاع واسقاط الصواريخ المعادية التي ستستهدف مقرات السيطرة والتحكم العسكرية وبعض الوحدات الصاروخية حول العاصمة دمشق حسب التقديرات الأخيرة.

وأن دمشق لن تبادر الى الهجوم ولن تنجر الى حرب شاملة تعرف جيداً أنها لن تكون في مصلحتها ولا في مصلحة حلفائها وخصوصاً في هذا الوقت الدقيق وأن الولايات المتحدة الأميركية حيدت كيان العدو االصهيوني عن المشاركة في أي عملية عسكرية محتملة ضد دمشق في الوقت الحالي وهذا ما أكده بنيامين نتنياهو رئيس وزراء كيان العدو عندما قال بالأمس « إن اسرائيل لن تكون طرفا في النزاع السوري لكنها سترد بالقوة على أي هجمات ضدها «.

هذا اضافة الى تحليلات صهيونية تقول إن «سرائيل» تأخذ على محمل الجد التصريحات الأميركية حول توجيه ضربة عسكرية ضد سورية.. وهناك استعدادات ميدانية في «اسرائيل» على المستويين العسكري والشعبي».

مصادر متابعة قالت للبناء إن الرد السوري لن يكون مباشراً على تل أبيب بل ستتولاه بعض فصائل المقاومة في غزة ولبنان والأردن وحتى مصر.

وحول الذريعة التي استخدمها الغرب شماعة لتبرير ضربته المحتملة على سورية قال المعلم «ان هذه الحجة باهتة وغير دقيقة على الإطلاق متحديا إياهم أن يظهروا ما لديهم من أدلة أما إذا كانوا يريدون تحقيق أهداف أخرى من هذا العدوان فالسؤال ما هي أهدافهم من هذه الحملة العسكرية وتحدث عن تعاون الحكومة السورية مع لجنة التحقيق الدولية وأعاد التذكير بأن دمشق هي من طلبت هذه البعثة بعد حادثة خان العسل ولكن العراقيل الغربية أخرت قدوم اللجنة خمسة أشهر».

ولكن اللافت أن ما اشيع في الاعلام والصحف بعد أيام من الضربة الكيماوية في الغوطة حول المعلومات التي قدمها الجانب الروسي الى مجلس الأمن والتي تثبت بالأسماء والتوقيت حقيقة من كان وراء استخدام السلاح الكيماوي في سورية وقد أكدها السفير الروسي في لبنان ألكسندر زاسبيكن لم يعد لها مكان اليوم وحتى في القاموس الروسي وباتت قصة من الماضي وهذا يترك بعض الأسئلة والاستفسارات حول السبب الحقيقي وراء هذا التعتيم على هذه المعلومات وخصوصاً في ظل التهديدات والاتهامات الغربية لدمشق والتي لم تبن على وثائق وحقائق بعكس الاثبات الروسي.

أما عن الدول التي ستشارك في العدوان فتفيد التصريحات الغربية أن كل من بريطانيا وفرنسا بالاضافة الى أميركا سيشكلون رأس حربة في الهجوم فيما ستمتنع كل من العراق وولبنان عن المشاركة الى جانب الحلف الغربي في وقت رجحت فيه مصادر عن احتمال أن تشكل هاتان الدولتان جبهة دفاع أولى عن دمشق من خلال حركات المقاومة فيهما وليس بشكل رسمي فيما تبقى مشاركة كل من الأردن وتركيا مكان تسائل خاصة بعد التحذيرات المبطنة التي أطلقها وزير الخارجية السوري وليد المعلم في مؤتمره لهاتين الدولتين.

أما عن مشاركة دول الخليج كالسعودية وقطر فالأمر لم يحسم الى الان بحسب التقديرات لأن ذلك قد يدفع ايران ومنطقة الخليج الى لهيب لن ينطفئ وبالمحصّلة فأن الجهد العدواني سيكون على عاتق الحلف التقليدي الأميركي والفرنسي والبريطاني وعبرهم سيكون الحل أيضاً. فهل هو حقاً سيناريو كلاسيكي باهت ومكرر «اشتدي أزمة تنفرجي»؟! من يعلم!!.