مع أن الإفراج عن رئيس حركة التوحيد الإسلامي ـــ مجلس القيادة الشيخ هاشم منقارة كان متوقعاً، برغم تأخرّه 48 ساعة، بعد قرار اتخذه قاضي التحقيق العسكري رياض أبو غيدا بهذا الخصوص، فإن إطلاق سراح منقارة أمس كان له وقع «الصدمة» في طرابلس.

هذه الصدمة توزّعت على 3 مستويات: «إيجابي» شمل أولاً أنصار منقارة والفريق السياسي الذي يُحسب عليه، و«رمادي» ثانياً في الساحة الإسلامية عموماً والسلفية خصوصاً، و«سلبي» ثالثاً انتشر في الوسط الشعبي في طرابلس، بعد التحريض على منقارة واتهامه في بعض الإعلام بالتورط في التفجيرين الإرهابيين اللذين حصلا أمام مسجدي التقوى والسلام، أثناء صلاة الجمعة يوم 23 آب الماضي.

منقارة الذي أُوقف بجرم كتم معلومات عن السلطات الرسمية حول تفجير المسجدين في طرابلس، قبل أن تصدّق أمس محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضية أليس شبطيني على قرار قاضي التحقيق العسكري الأول رياض أبو غيدا، بتركه بسند إقامة، استقبل أنصاره القرار بارتياح كبير، إلى حدّ أنهم كانوا ينوون إطلاق الرصاص والمفرقعات النارية ابتهاجاً، وخصوصاً أثناء إطلالته التلفزيونية. لكن منقارة اتصل بهم وشدّد عليهم بعدم القيام بأي شيء من هذا القبيل، ونقل عنه قوله لهم إن «طرابلس لا تزال حزينة بعد الجريمتين، فالشهداء الذين سقطوا هم شهداؤنا». وكرر مطالبته «بتوقيف المرتكبين ومعاقبتهم، وإعدامهم على الملأ في طرابلس».

هذا الارتياح امتد أيضاً إلى الإسلاميين الذين يدورون في فلك قوى 8 آذار، الذين رأوا أن «تسليم منقارة نفسه لفرع المعلومات الذي استدعاه، من غير أن يُخبر أحداً، كان خطوة جريئة منه تثبت ثقته ببراءته»، معتبرين أن «اتهام منقارة في الأساس كان سياسياً، قام به تيار سياسي اعتاد أن يبني أمجاده وانتصاراته على حساب تدمير الآخرين».

ولم يتوانَ إسلاميو 8 آذار عن تشبيه «الاتهامات السياسية التي وُجّهت إلينا طوال السنوات الماضية، وجرت بشكل ممنهج، بخلايا السرطان التي ينتشر في جسم الإنسان على حساب خلاياه السليمة، وهدفها تشويه كل حركات المقاومة في لبنان والمنطقة، واستثمار عاملي الدم والدين من أجل تحقيق أهداف سياسية، وهذا ما يجري بلا توقف منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005».

ومع ذلك، أبدى إسلاميو 8 آذار في طرابلس اعتقادهم أنّ «التحريض السياسي ضدّنا من قبل الفريق الآخر لن يتوقف، على قاعدة عنزة ولو طارت»، معتبرين أن ما تعرض له منقارة هو بمثابة «اغتيال سياسي وإهدار لدمه»، محمّلين هذا الفريق مسؤولية «أي أذى قد يتعرض له منقارة».

الأمين العام لحركة التوحيد الإسلامي الشيخ بلال شعبان، أحد أبرز الإسلاميين المنضوين في حلف 8 آذار في طرابلس، أكد لـ«الأخبار» أن «هذا ما كنّا ننتظره ونؤكده، لمعرفتنا بهول هذه الجريمة، ومعرفتنا بطبيعة الشيخ هاشم، الذي كنا منذ البداية واثقين من براءته». ورأى شعبان أن الجريمة «أكبر من أن يكون مرتكبها محلياً، وأن من يقف وراءها هدفه دفع لبنان نحو المحرقة».

أما على الضفة الإسلامية الأخرى، فإن ارتياحاً نسبياً نشأ في جزء منها، لأن التهمة أُبعدت عن منقارة، ومعها طُرِدَت فكرة أن يكون مرتكب التفجيرين شيخاً، ولو كان «مخالفاً في الرأي والموقف». كذلك فإنه بعد كلام منقارة أمس في مؤتمره الصحافي بعد إطلاق سراحه وشكره الشيخين بلال بارودي ونبيل رحيم، ودعوته الشيخ سالم الرافعي إلى لقاء حواري، فإن التعرّض له معنوياً أو جسدياً أصبح مستبعداً كلياً من قبل جزء من الإسلاميين، لأن كلامه ترك قبولاً في أوساطهم.

لكن ذلك لن يمنع جزءاً آخر من الإسلاميين والسلفيين من الاستمرار في توجيه السهام إلى منقارة، بعدما أحرجهم قرار الإفراج عنه أمام جمهورهم والرأي العام الطرابلسي، ليس من باب اتهامه بأنه يقف وراء التفجيرين أو كتمه معلومات عنهما، بل لأنه لم يقطع علاقته مع النظام السوري، الذي توجّه أصابع الاتهام إليه من قبل أطراف عدة في طرابلس، بأنه المتهم والفاعل الحقيقي.

هذه الأجواء الطرابلسية لم تظهر على الأرض بعد، لأن منقارة بقي في بيروت. لكنها برزت في تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، عندما علقت إحدى أقارب ضحايا التفجيرين قائلة: «والنعم من هيك قرار. ترحموا على حالكن يا أهل طرابلس قبل ما تطلعوا من بيوتكن».