نشطت الديبلوماسية اللبنانية في الأشهر الماضية بين بيروت وأبوجا للاطلاع على أحوال الموقوفين اللبنانيين الثلاثة بتهمة «تشكيل خلية إرهابية لحزب الله» وتخزين سلاح. هي مكيدة واضحة؛ إذ إن الأمر الوحيد الذي اعترف به المتهمون أنهم تعرضوا للتعذيب من قبل الموساد الإسرائيلي الذي دبرها أصلاً، بحسب ديبلوماسيين نيجيريين

نهاية الشهر الجاري، تبدأ جلسة المرافعات النهائية في قضية اللبنانيين الثلاثة الموقوفين في نيجيريا منذ أيار الماضي، بتهمة تشكيل «خلية إرهابية لمصلحة حزب الله» وتخزين أسلحة في «كانو»، أكبر المدن النيجيرية. عملت السفارة اللبنانية في نيجيريا طوال المرحلة الماضية على تبيان حقيقة ما نشر في وسائل الإعلام الأفريقية عن تحقيق الموساد مع كل من مصطفى فواز، عبد الله طحيني وطلال رضا. وأبدى مسؤولون نيجيريون استغرابهم من اهتمام الخارجية اللبنانية بما نشر في بعض الصحف، مشيرين إلى أنّ «ما قيل في الإعلام هو مجرد أقوال متهمين تحوم حولهم شبهات قوية ليس إلا». وقال المسؤولون النيجيريون إن «الحكومة غير مسرورة الآن بالتعامل مع رجال الأعمال اللبنانيين، وهي لا ترغب في أن يتعهدوا أي مشاريع ضخمة»، و«طلبوا من اللبنانيين الابتعاد عن هذه الأمور (تشكيل خلايا إرهابية)، وهذا أفضل لمصلحتهم».

وأكدت الديبلوماسية اللبنانية ثقتها بالقضاء النيجيري برغم إخبار الموقوفين سفارة بلادهم تعرضهم للتعذيب ومنعهم من النوم لأيام عدة. ونقل الموقوفون إلى محاميهم كيف عذّبوا وحُرموا النوم لأيام من قبل أشخاص ليسوا نيجيريين، يتكلمون العربية ويلفظون حرف الـ«خاء» بدلاً من «حاء»، وقد تجرأ أحدهم بحسب إفادة أحد الموقوفين، بالتهديد، بناءً على تشفٍّ وانتقام منه كلبناني لكي يكون عبرة لباقي اللبنانيين في أفريقيا. وبرر النيجيريون موضوع التعذيب، بأنه «لا يمكن الحصول على الاعترافات من خلال حفلة شاي، ولا بد أن يكون ذلك بالإكراه».

وبالنسبة إلى التحقيق الذي جرى مع الموقوفين، أظهرت التحقيقات أنه لا توجد «شبهات قوية»، بل شبهات فقط. ومن خلال المتابعة الدقيقة للقضية تبين أن الادعاء لم يتمكن لغاية الآن من إيجاد صلة زمنية بين الموقوفين الثلاثة.

ففي خلال سنة 1987 أو 1988، التاريخ المفترض لبدء المتهمين بإدخال الأسلحة إلى «كانو»، كان المتهم مصطفى فواز لا يزال يدرس في الولايات المتحدة الأميركية. أما المتهم الثاني عبد الله طحيني، فقد زار نيجيريا للمرة الأولى في حياته سنة 1990، «وبالتالي ليس هناك من رابط زمني، لذلك فإن نظرية الخلية الإرهابية التي تعمل لتنفيذ مخطط إرهابي قد سقطت»، على ما تقول مصادر متابعة للقضية. كذلك فإن فواز، المتهم الرئيسي قال أمام المحكمة إنه يستثمر ملايين الدولارات في نيجيريا، فهل يضحي بكل هذا لكي يقوم بعمل غير مسؤول؟ وأضاف أنه «يحب نيجيريا لأن لها فضلاً عليه، وهو لا يمكن أن يؤذي النيجيريين».

وسيقدم محامو الدفاع عن المتهمين في نهاية أيلول مرافعتهم معتمدين على سقوط الظرف الزماني والمكاني للاتهام. وبحسب شهادة كل من المتهمين فواز وطحيني في المحكمة الفدرالية العليا بتاريخ 6 آب الماضي، فإن جهاز الموساد قد حقق معهما وعذبهما واعتدى عليهما نفسياً وهددهما بالاغتصاب، وذلك لمدة 14 يوماً، فضلاً عن حرمانهما النوم لعدة أيام خلال وجودهما في سجن جهاز الاستخبارات (SSS). وكان محققو الموساد يجرون التحقيقات مع الموقوفين لمصلحة إسرائيل، لا لمصلحة نيجيريا، إذ تركزت الأسئلة على نشاط حزب الله في لبنان، لا في نيجيريا، وعن أماكن مستودعات الصواريخ العائدة للمقاومة في جنوب لبنان وأسماء عناصره الذين تدربوا على القتال. وسيعلن المحامون سقوط تهمة الانتماء الموقوفين إلى منظمة إرهابية، لأن قانون مكافحة الإرهاب الذي أقرته نيجيريا عام 2011 وعدل عام 2013، لم يعتبر لغاية تاريخه ما يسمى «الجناح العسكري لحزب الله» منظمة إرهابية، وبالتالي فإن حزب الله لم يوضع على لائحة المنظمات الإرهابية في القانون النيجيري. وفشل الادعاء في إثبات أن حزب الله يعتبر منظمة إرهابية في نيجيريا، فضلاً عن أنه لم يُعَدّ يوماً منظمة إرهابية دولية، ولم يقدم الادعاء أي دليل يشير إلى أن المتهم فواز قد اجتمع مع شخص ما أو أشخاص في مكان وزمان محددين لكي يتآمروا للقيام بعمل إرهابي ما ضد نيجيريا أو ضد أحد في نيجيريا. كذلك فشل الادعاء في إثبات أن المتهمين الثلاثة تدربوا للقيام بعمل إرهابي في نيجيريا، وهو الذي كان يسعى إلى إثبات أنهم منتمون إلى ما يسمى «الجناح العسكري لحزب الله»، لكي يتعامل معهم على أساس أنهم خلية إرهابية تتآمر لتنفيذ اعتداء ما، ولكنه فشل في إثبات ذلك، مع العلم بأن لهم الحق في أن ينتموا إلى الحزب أو أن يكونوا من مؤيديه.

أما التدريبات التي تكلم عليها الادعاء، فلم تكن للإعداد لعمل إرهابي ضد نيجيريا، أو حتى ضد مصالح إسرائيل في نيجيريا، بل فقط للدفاع آنذاك عن قرى المتهمين في التسعينيات.

ويضاف إلى ذلك، أن طحيني أصلاً أتى إلى نيجيريا للمرة الأولى عام 1990، والأسلحة المزعومة بدأ استيرادها عام 1987 و 1988، كان يومها عمره 15 عاماً فقط، ولم يكن بعد يعرف نيجيريا، فكيف يكون متورطاً بقضية الأسلحة؟ وقد ارتكبت خلال تفتيش المنزل الذي وجدت فيه أسلحة في «كانو»، مخالفات عدة منها أن تفتيش العقار لم يكن بحضور صاحب العقار أو أحد قاطني العقار والشهود. وما جرى هو أن عناصر الاستخبارات النيجيرية أتموا عملية التفتيش وصادروا الأسلحة المزعومة بسرية وبظروف غير واضحة. كذلك فإن التهمة الموجهة إلى فواز باستيراد الأسلحة منذ 1988 ساقطة، لأنه كان يدرس في الولايات المتحدة من كانون الثاني 1983 لغاية كانون الأول 1988، فكيف له أن يشارك في استيراد الأسلحة المزعومة التي قيل إنها أدخلت إلى نيجيريا عام 1987 و 1988، بينما هو في الولايات المتحدة؟

من جهتهم، يؤكد ديبلوماسيون نيجيريون أن التهمة الموجهة إلى الموقوفين «مكيدة خطّط لها الإسرائيليون للإيقاع باللبنانيين، فالإسرائيليون يعتبرون أن اللبنانيين هم الوحيدون القادرون على منافستهم على المشاريع الضخمة في نيجيريا، وهذا ما يقلقهم».