بين الصواريخ المتنقلة والتفجيرات الارهابية والسيارات المشبوهة والشائعات المريبة، لم يبق تهديد أمني إلا وسمعه اللبنانيون في الآونة الأخيرة، حتى بات "الرعب" رفيق المواطنين الدائم، أينما اتجهوا ومهما فعلوا..

ولأنّ الجو السياسي كان أكثر من ملائم، وهو الذي يعتبر الكثيرون أنه سبب "البلاء"، ترافقت كلّ هذه "الخروقات" مع موجة من "التحذيرات" التي لم تزد "الطين" إلا "بلة"، "تحذيرات" صدرت عن سياسيي الداخل والخارج، فأظهرت البلاد وكأنها "جزيرة أمنية" قد "تنفجر" في أيّ لحظة، فتقضي على الأخضر واليابس..

ولكن ما مدى دقة كلّ هذه التهديدات والتحذيرات؟ ومن يوفّر عمليا "بيئتها الحاضنة"؟ وهل وصل الوضع الأمني فعلا لـ"حافة الانهيار"؟ وماذا عن "الخيوط" التي قيل أن "التحقيقات" وصلت إليها؟ وماذا عن "الطابور الخامس" الذي لطالما حمّله اللبنانيون مسؤولية كلّ شيء، قبل سطوع "ظاهرة" الاتهام السياسي؟

لا ترابط.. ولكن

من موسم سياحي موعود إلى موسم أمني حافل، تحوّل فصل الصيف في لبنان بشكل لم يتوقعه أقصى "المتشائمين"، ولا أولئك الذين "روّجوا" لمخاوف من هذا النوع، حين أرادوا تبرير لجوئهم إلى بدعة "التمديد"، بمختلف مستوياتها وأشكالها. مستوى "الجرائم" ارتفع وتصاعد تدريجيا من "الرسائل الصاروخية" التي تنقّلت بين اليرزة وبعبدا والضاحية الجنوبية لبيروت وصولا إلى "السيارات المفخخة" التي تنقلت بين بئر العبد والرويس وعاصمة الشمال​طرابلس​، وما بينهما ما وُصِف بـ"الانجازات الأمنية" التي تسابقت الأجهزة على تحقيقها عبر كشف مخططات مشبوهة هنا وتوقيف إرهابيين متورطين هناك.

سريعا، كان "الربط" بين كلّ هذه الأحداث حاضرا في أذهان السياسيين، الذين أصدروا، على جري عادتهم، "أحكامهم المبرمة"، وبينها ما قيل عن أنّ قرار "تفجير" لبنان متّخذ من قبل جهة إقليمية، جهة اختلفت "طبيعتها" بحسب "الميول السياسية" للجهة المدّعية، فتصدّر النظام السوري و"خصومه" من الجماعات "التكفيرية" لائحة المتّهمين، ومع هذه الأحكام، تحدّدت "الأهداف" و"الأسباب" أيضا بين الردّ على انخراط "حزب الله" في الأحداث السورية من جهة ورمي لبنان في أتون الفتنة من جهة ثانية.

هذا الربط قد يكون منطقيا من الناحية التحليلية، حيث توحي كلّ المعطيات أنّ أيادي الشرّ واحدة، وأنّ المسلسل هو في النهاية واحد، إلا أنّ التحقيقات الجارية على قدم وساق في كلّ ملف على حدى لم تثبت أي "ترابط" من هذا القبيل، بحسب ما تكشف مصادر مواكبة للتحقيقات لـ"النشرة"، حيث تلفت إلى أنّ الربط حتى بين تفجيرات الضاحية الجنوبية وطرابلس التي وضعها البعض في سياق "مؤامرة" تهدف لزرع "الفتنة" غير ثابت لغاية تاريخه، وأنّ المعلومات الموجودة بحوزة القوى الأمنية لا تدلّ على شيء من هذا القبيل. وتشدّد المصادر على ضرورة أن تأخذ التحقيقات مجراها القانوني، داعية إلى الفصل بين التحليلات السياسية والاجراءات القضائية بشكل مطلَق.

متوارون هاربون..

ومن التفجيرات إلى ما بات يُعرَف باسم "خلية بلونة"، تنطلق المصادر لتتحدّث عن "إنجازات" حققتها الأجهزة المعنية حين كشفت النقاب عن المجموعة التي تتحمّل مسؤولية الصواريخ التي أطلقت من بلونة باتجاه منطقة الجمهور، علما أنّ الادعاء في هذه القضية شمل خمسة عشر شخصا بينهم سبعة موقوفين تمّ اتهامهم بالانتماء لتنظيم إرهابي مسلح بقصد القيام بأعمال إرهابية وشراء مواد متفجّرة وتجهيزها وإطلاق صواريخ ومحاولة قتل أشخاص ونشر الذعر والرعب بين المواطنين.

وفيما تؤكد المصادر وجود أشخاص من جنسيات عربية مختلفة في عداد أعضاء هذه الخلية، وخصوصا من السوريين والفلسطينيين، تكشف أنّ عددا من المشتبه بهم "هربوا" إلى دول مجاورة، وبينها تركيا. وترفض المصادر كشف معطيات عن تعاون هذه الدول لتسليم المتهمين إلى الدولة اللبنانية، فيما تعلّق مصادر أخرى على ذلك بالقول: "إذا كان التعاون حاصلا، فهذا أمر جيد، أما إذا لم يحصل، فهو يعني أنّ هذه الدول شريكة في مكان ما في المؤامرة".

"فريق ثالث سمع ونفّذ"!

وعند الحديث عن "إنجازات قضائية"، ينتقل الحديث سريعا إلى ما قيل عن "خيوط" توصّلت إليها التحقيقات بمتفجّرتي طرابلس الشهيرتين في سرعة يمكن وصفها بـ"القياسية"، إذ تشير المصادر نفسها إلى أنها المرة الأولى في تاريخ لبنان التي يتمّ فيها توقيف أحد الأشخاص بعد أقل من خمس ساعات على حصول جريمة إرهابية من هذا النوع، وذلك في إشارة إلى الشيخ أحمد الغريب الذي تمّ الادّعاء عليه في هذا الملف، وأشارت "التسريبات" التي نشطت بقوة على خط هذا الملف إلى أنه "اعترف" بأنّ "مسؤولين في المخابرات السورية" فاتحوه بشيء من هذا القبيل، إلا أنه لم يتجاوب معهم ولم يفاتحوه بذلك مجددا إلى أن حصل التفجيران الآثمان.

وعلى الرغم من أنّ رئيس حركة التوحيد الاسلامي الشيخ ​هاشم منقارة​، الذي أوقف في القضية نفسها بحسب "التسريبات" على خلفية جرم "كتم معلومات" ثم أطلق سراحه، لفت إلى أنّ الشيخ الغريب نفى كل الاعترافات التي نسبت إليه في التحقيقات الأولية، تلمح مصادر مواكبة للتحقيقات إلى ضلوع "فريق ثالث" أو ربما ما يعرف بـ"الطابور الخامس" في القضية، إذ تشير المصادر إلى أنّ هناك من "سمع" المحادثات التي جرت بين الغريب والمسؤولين السوريين، وأنّ هذا "الفريق" هو الذي استغلّ وعاد فـ"نفذ"، ضاربا بذلك أكثر من عصفور في حجر واحد، دائما بحسب المصادر، التي "تتحفظ" على تحديد كيفية حصول عملية "السماع" هذه.

شائعات قاتلة..

انطلاقا من كلّ ما سبق، لا يبدو الجوّ العام مطمئنا. الرعب سيّد الموقف، والمواطنون خائفون، يرتابون من كلّ حركة وكلّ موقف، حتى أنّ اللبنانيين باتوا "يحنّون" لـ"الزحمة" التي لطالما اشتكوا منها وطالبوا المسؤولين بوضع حدّ لها.

لكنّ "الهدوء" الذي تعيشه البلاد اليوم ليس هدوءًا صحيا، وإن كان البعض يخشى أن يكون "هدوء ما قبل العاصفة". هو هدوء ناتج عن الوضع الأمني "المنهار"، والذي يتجلى بعدد السيارات المشبوهة التي يتمّ الكشف عليها بصورة يومية، والتي وصلت إلى 13 ألف خلال أسبوعين، كما تؤكد المصادر، التي تشدّد على أنّ الخوف لدى الناس يفوق حقيقة الهواجس الأمنية، مشيرة إلى أنّ الوضع الأمني قد يكون مفتوحا على كل الاحتمالات، إلا أنه يبقى مقبولا نسبيا بالمقارنة مع دول الجوار التي تعيش أجواء خطيرة. وتطمئن المصادر إلى أنّ الاجراءات الأمنية المكثفة التي لمسها المواطنون منذ ما بعد انفجار الرويس في الضاحية الجنوبية مستمرّة حتى إشعار آخر، كما التعزيزات الأمنية مقابل دور العبادة خصوصا في أوقات الصلاة، وتدعو لعدم تضخيم الأمور، مشددة على أن معظم الأخبار التي يتمّ تداولها لا تعدو كونها "شائعات"، وهنا بيت القصيد..