منذ صباح الأربعاء الفائت، لا يزال أهالي ​معلولا​ تحت تأثير الصدمة. صدمة الضحايا الذين سقطوا نتيجة إجرام تكفيري، لطالما سمع سكان معلولا عنه من دون أن يرونه في بلدة العيش المشترك. أضف اليها، صدمة الجثث التي ما زالت مرمية في الشوارع حتى هذه اللحظة، لأن مسلحي "​جبهة النصرة​" لم يسمحوا بعد لأحد بسحبها من الساحات والمنازل. صدمة البيوت القديمة المدمرة والأديرة المحروقة والكنائس المحتلة والحضارة المدفونة. ولكن في الميزان المسيحي، كل هذه الصدمات شيء، وصدمة الخيانة شيء آخر.

"نعم لولا الخيانة التي تعرضنا لها من أهل البيت، لما حصل ما حصل" يقول أهالي معلولا الهاربون الى لبنان، مقتنعين بأن أبناء بعض من في البلدة هم الذين تواطؤوا مع التكفيريين وأدخلوهم معلولا. لطالما تعرّض مسيحيو معلولا خلال الأشهر الماضية للتهديد والوعيد من قبل هؤلاء، ولطالما سمعوا الشتائم بحق السيد المسيح لكنهم لم يعتقدوا بأن اللحظة التي سيتعامل فيها الشتامون مع مسلحين من الخارج لاغتصاب مقدساتهم وحرماتهم ومنازلهم ستأتي يوماً.

إنه إبن معلولا المدعو محمد دياب والمعروف بمحمد "الفحل". هو القائد الميداني في "جبهة النصرة" الذي احتلّ منذ أشهر عدة فندق السفير القائم على تلة مطلة من تلال البلدة، ووضع ايضاً تحت سيطرته دير مار سركيس وباخوس المحاذي للفندق، هذا الدير التاريخي الذي طالما استقبل يومياً عشرات الآلاف من الزوار الأجانب والعرب والسوريين، بات اليوم وللأسف بفضل "الفحل" وتكفيرييه مهجوراً. حتى أن الأسابيع القليلة الماضية شهدت مفاوضات غير مباشرة بين مسيحيي معلولا و"الفحل" علّ هذا الأخير يسمح لهم بإقامة إحتفال عيد الصليب كما جرت العادة في الدير المحتل، وحتى الأيام القليلة الماضية أي قبل الهجوم التكفيري على معلولا بأيام، لم يكن "الفحل" قد أعطى موافقته بعد. "لقد نظّم الهجوم على معلولا"، يقول الأهالي، ويضيفون: "حشد المقاتلين في فندق السفير وعلى التلال المحاذية التي تسيطر عليها جبهة النصرة، وفي ليل الثلاثاء-الأربعاء أي قبل الهجوم بساعات، أدخل عدداً كبيراً من مسلحيه الى أحد الأحياء، وهناك قضوا ليلتهم داخل المنازل وفي الشوارع الى حين وقوع الإنفجار". "خير دليل على ذلك"، تقول فعاليات البلدة، "أن الآلاف من مسلحي النصرة إجتاحوا الأحياء المسيحية بعد دقائق قليلة من إنفجار السيارة المفخخة التي إستهدفت حاجز ​الجيش السوري​ القائم على مدخل البلدة، ولو لم يكن هؤلاء داخلها أثناء وقوع الإنفجار لما كانوا ليقتحموها بهذه السرعة، ولكان قدومهم من القرى المجاورة يحتاج الى مزيد من الوقت".

نعم إنها الخيانة بحدّ ذاتها، خيانة "الفحل" التي جعلت الأهالي يصلّون ليلاً نهاراً علّ هذه الصلوات تسمح لأحدهم من اللجان الشعبية أو من الجيش السوري بالنيل منه، وهكذا حصل.

فبالأمس، تبلغ أهالي معلولا الموزعين بين الشام ولبنان عبر الانترنت أن "الفحل" لقي مصرعه في المعارك الدائرة. فرحوا كثيراً لنيله جزاءه، وعادوا الى الصلاة من جديد على نية خلاص معلولا من الفحول الأخرى.