تغيّرت الضاحية الجنوبية على شبّان مخيم برج البراجنة الفلسطينيين. لم تعد المنطقة التي تربّوا وكبروا فيها تعاملهم بالطريقة التي اعتادوها. التشدّد في الإجراءات الأمنية وفي عمليات التفتيش مفهوم بالنسبة إليهم، وحتى الآن يمكن تحمّله. فأمن الضاحية من أمن المخيم، «وأقلّه يمكننا أن ننام مطمئنين»، يقول أحد فلسطينيي المخيم.

«لكن المشكلة الأساسية هي إجبارك على تعبئة استمارة لمجرد كونك فلسطينياً، ما سبب حالة من التوتر بين شباب المخيم بسبب وضعهم في موقع المشتبه فيه». وتفادياً لكل هذه الإجراءات، قرّر بعض أبناء المخيم الابتعاد عن الأماكن والمحالّ التي كانت مقصدهم في الضاحية. بالطبع، لا قرار مركزياً بذلك. هو مجرد قرار فردي لتجنب تلك الحواجز.

لم تعد محالّ بئر العبد والرويس والبرج وجهة فلسطينيي المخيم للتسوق. بات هؤلاء يفضّلون التوجه إلى بيروت لشراء حاجاتهم كي لا يمرّوا بالحواجز، أو الانتظار حتى تُعَبّأ استمارة أمنية لهم. غالباً لا تستغرق هذه الإجراءات سوى دقائق، وأحياناً «يؤخذ الشخص إلى التحقيق لمدة 3 ساعات»، كما يقول أحد اللاجئين. ولكن، حتى في هذه الحالات، يمكن أن تفهم هذه الإجراءات «ممكن يكون في عليه شي ياخدوه يحققوا معه» يقول شاب آخر. يضيف: «إذا أرادوا رؤية الهوية، فليأخذوها، وإذا أرادوا تعبئة استمارة فليفعلوا، لكن لماذا حينما نسأل عمن أخذوهم تأتي الإجابة بأنهم غير موجودين عندنا». هذه التصرفات تعيد إلى الذاكرة «أيام الاستخبارات السورية».

هي إشكالات صغيرة، على أية حال، لكن تراكمها يولّد احتقاناً قد ينفجر في لحظة انفعال كما حدث في البرج الأحد الماضي؛ إذ أضاءت تلك المشكلة على حالة التوتر الموجودة بين المخيم ومحيطه. فمنذ بداية الحديث عن مشاركة بعض اللاجئين في القتال ضد النظام السوري، يشعر الفلسطينيون بأنهم مستهدفون. التهم التي وجهت حينها إلى حماس «لا تعنينا، لكن في الخارج أصبح الجميع ينظر إلينا على أننا كلنا سلفيون وتابعون لحماس»، يقول أحد سكان المخيم. يشعر الرجل بوجع بسبب الأحكام المسبقة ضد الفلسطيني «لا يوجد سلفيون في المخيم ولسنا مثل عين الحلوة حيث تسيطر مجموعات سلفية على أحياء». يضيف: «طوال عمرنا لم نقل هم شيعة ونحن سنّة، وحتى الآن لا نقول هذا الكلام. لكن لماذا وصلت الأمور إلى هذه الحال من الاحتقان؟ لا يمكنني فهم ذلك». يؤكد الرجل أنه لم يعد يخرج من المخيم، كي لا يسمع الأحاديث المستفزة بحق الفلسطينيين وتفادياً «للبهدلة كلها بالتفتيش». بالنسبة إلى بعض شبان المخيم أصبح اللبناني «الآخر» الذي يهدد وجودهم. يقول أحدهم وهو يحاول تجييش رفاقه ضد حزب الله: «يستسهلون قتلنا وإهانتنا، حتى إن قاتل السمراوي لم يسلّم، يعتقدون أننا خرفان وفش رجال من المخيم»، فيردّ عليه أحد كبار السن الذين شاركوا في الدفاع عن المخيم خلال «حرب المخيمات»: «مين قال فش رجال؟ في رجال بالمخيم، بس هدول حزب الله، مقاومة ضد إسرائيل زيّنا زيّهم، بدك نقتّل بعضنا». يصمت الشاب. يكمل الرجل حديثه: «الذي جرى خطأ وغيمة صيف عابرة، لن تؤثر على علاقتنا مع الحزب، نحن رفاق سلاح، وإذا كان حزب الله مستهدفاً فهذا بسبب مقاومته لاسرائيل». يترك الشاب المتحمس الجلسة. يحاول رفاقه إعادته. يقول غاضباً: «والله لازم نرفع صور لسعد (الحريري)». يرد عليه زملاؤه: «هلق سعد أحسن من السيّد (حسن نصر الله)؟». يردّ بسرعة: «أكيد لا، بس تصرفاتهم رح تخلينا نكرههم». يضيف: «والله نحبهم وإذا استهدف أحد الضاحية فسنقاتل إلى جانبهم. لكن لماذا التعاطي معنا بهذه الطريقة». ينهي الرجل الحديث بالقول: «حزب الله مقاومة والسيد حبيبنا، ومن المستحيل أن نعود إلى أيام حرب المخيمات».

حالياً، يعيش المخيم حالاً من التوتر والغضب، وخصوصاً لأن بعض أبناء المخيم يرون أن «اللبنانيين يعتقدون أنّ دماءنا رخيصة وفصائلنا ساكتة عن الإهانات اللي عم تصير»، يقول أحد الشبان . يضيف: «بكرا لما تفجر بيننا وبينهم بتطلع الصرخة لنطفيها». بالطبع لن يصل أحد إلى هذه اللحظة، فكما يقول أحد مسنّي المخيم «مرّ الكثير علينا وعلى أبناء البرج، هم يعرفوننا ونحن نعرفهم، بالطبع هناك انقسام حالياً. لكن كلّ هذه المسائل ستمرّ على خير».