في حال أقرت الحكومة المصرية قرار حل حزب الإخوان المسلمين واعتباره تنظيماً محظوراً فانه يشكل ضربة قاصمة لهذا التنظيم، الذي ما أن وصل إلى السلطة التي حلم بها منذ نحو90 عاماً على تأسيسه عام 1928 وتشريع وجوده حتى خسر هذه السلطة سريعاً، وفشل في المحافظة عليها، أو في استخدامها لتعزيز شرعيته وشعبيته، لتكتمل خسارته بفقدان شرعيته بعد أن أمعن في الايغال في اللجوء إلى العنف لاستعادة السلطة، متجاهلاً أن القوة التي تفتقد إلى تأييد الغالبية الشعبية من المصريين هي أقصر طريق إلى الانتحار السياسي وزيادة عزلته، وبالتالي فقدان الشرعية الشعبية والقانونية على السواء.

والإخوان بهذه السياسة التي اعتمدوها، وأدت بهم إلى العودة للسرية، إنما يعيدون تكرار خطئهم التاريخي الذي اقترفوه عام 1954 عندما جرى حظر نشاطهم بعد أن أوغلوا في سياستهم المعادية لنهج الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذي حظي بدعم كاسح من الشعب العربي المصري، نتيجة انتهاجه سياسات تحقق العدالة الاجتماعية وتحرر مصر من السيطرة الأجنبية الاستعمارية، والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال الصهيوني. وبعد أن فشلوا في دفع عبد الناصر إلى تغيير أولوياته الوطنية والاجتماعية التحررية، وأقدموا على اللجوء إلى العنف ومحاولة الاغتيال الفاشلة لعبد الناصر فكانت النتيجة أن تم اعتقال قيادات الإخوان وحل تنظيمهم وحظر نشاطهم في البلاد.

لكن ما يحصل اليوم يكشف أن الإخوان لم يكتفوا في العمل على إعادة انتاج سياسات الرئيس المصري حسني مبارك، التي تتعارض مع مصالح وتطلعات الشعب المصري، إنما حالوا الوقوف بقوة، وبواسطة العنف ضد ثورة 30 يونيو الهادفة إلى تغيير هذه السياسات، ولذلك كان من الطبيعي أن يصطدموا بغالبية الشعب والجيش الذي انحاز إلى الثورة، وأن يدفعوا ثمن هذه السياسة ويفقدوا الشرعية.

على إن حزب الإخوان حاول العبث بنسيج الوحدة الوطنية المصرية، وعمد إلى تحريض الجماعات الإرهابية التكفيرية التي نمت وتعزز وجودها في ظل حكمهم الذي استمر لمدة عام، على القيام بشن الاعتداءات على الجيش المصري وارتكاب مجزرة بحق جنوده في سيناء، وإحراق الكنائس، وغير ذلك من الاعتداءات المستمرة حتى الآن، والتي كان آخرها محاولة اغتيال وزير الداخلية بواسطة سيارة مفخخة، مما أشر إلى المخطط المعد على غرار تونس وليبيا لتصعيد عمليات العنف لإثارة الفوضى وضرب الاستقرار ودفع البلاد إلى الفتنة بغية إحباط إمكانية تشكيل حكم وطني جديد، متحرر من السيطرة الاميركية الغربية، ومعاد للكيان الصهيوني، والعمل على استنزاف الجيش المصري الذي يشكل استهدافه جزءاً من الاستراتيجية الإسرائيلية الساعية إلى ضرب وتفكيك الجيوش العربية القوية التي تملك عقيدة وطنية وقومية تقوم على العداء للكيان الصهيوني، وبالتالي إضعاف هذه الجيوش بما يخلق البيئة العربية المواتية لفرض مشروع الهيمنة الاميركية الإسرائيلية على المنطقة، وتحويل العرب إلى مجرد أجرام تدور في فلك الكيان الصهيوني والسياسة الاميركية، لا يملكون أي مشروع يحمي مصالحهم ويحفظ حقوقهم، ليصبحوا بالتالي مجرد سوق استهلاكية للمنتجات الإسرائيلية الاميركية الغربية ومحط استغلال من قبل الشركات الاميركية الإسرائيلية لثرواتهم وفي مقدمها النفط والغاز، وتوظيف اليد العاملة العربية الرخيصة في خدمة المشروع الصهيوني الطامح إلى جعل إسرائيل القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية الأقوى والمسيطرة في المنطقة بدون منازع، وهذا المشروع هو ما عبر عنه الرئيس الإسرائيلي الحالي شمعون بيريز عندما كان رئيساً للحكومة عام 1996في كتابه «الشرق الأوسط الجديد»، الذي تحدث فيه بشكل واضح عن هدف إسرائيل الاستراتيجي من وراء تحقيق السلام مع العرب.

ويبدو هذا الهدف واضحاً من خلال مسلسل الهجمات الإرهابية التي استهدفت الجيش المصري، من الهجوم المسلح في رفح وأدى إلى مقتل 16 جندياً عام 2012، مروراً بإعدام 25 جندياً لدى عودتهم من إجازاتهم، وسحل الشيخ حسن شحاتة وعائلته، وصولاً إلى محاولة اغتيال وزير الداخلية.

ومثل هذه العمليات الإرهابية المتصاعدة تأتي متزامنة مع تنامي وجود التيارات المتطرفة، التي تتخذ من الدين الإسلامي ستارة لها ولارتكاباتها المشينة، والتي عمدت إلى تصعيد اعتداءاتها في سيناء فور الإعلان عن عزل مرسي، وقامت الآن بنقل هجماتها إلى القاهرة عبر تدشين مسلسل الاغتيال السياسي على غرار ما يحصل في تونس، وليبيا والعراق، حيث تنشط الجماعات الإرهابية التكفيرية، وتشن سلسلة من الاعتداءات ضد الجيش والقوى الأمنية وتعمل على بث الفوضى.

ويبدو أن الحكم الجديد مدعوماً من الغالبية الشعبية وجبهة 30 يونيو قد بدأ خطة ممنهجة لتطهير مؤسسات الدولة من رموز الإخوان الذين تم زرعهم في فترة حكم مرسي، ووضع حد لحركتهم الدعوية التي تستغل الدين لخدمة شعاراتهم السياسية المحرضة على العنف واستطراداً التصدي بحزم وقوة للجماعات الإرهابية التكفيرية، وضرب مواقع قوتها.

وتجسدت هذه الخطة بالخطوات التالية:

الخطوة الأولى: إقدام وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة على إلغاء تصاريح اكثر من 55 ألف إمام مسجد وزاوية، ومنع إقامة صلاة الجمعة إلا في المساجد والجوامع، ومنع انعقادها في سواها من زوايا.

ومثل هذا القرار يضع حداً لدور الأئمة الموالين للإخوان الذين يحضرون ضد الدولة لمصلحة الإخوان ويدعون إلى محاربة الجيش، وهو ما يصب في طاحونة تغذية ودعم الاعتداءات التي تنفذها الجماعات الإرهابية التكفيرية.

الخطوة الثانية: قيام الجيش المصري بأكبر حملة عسكرية في شبه جزيرة سيناء، ضد الجماعات الإرهابية المسلحة، ودهم المساجد التي استخدموها لتخزين الأسلحة والانطلاق منها لشن اعتداءاتهم، كما أثبتت الوقائع من خلال اكتشاف مخازن أسلحة في المساجد التي جرت مداهمتها.

الخطوة الثالثة: البدء بعملية محاكمة قيادات الإخوان بتهمة التحريض على العنف واستخدام السلاح الذي ضبط في مكتب المرشد.

ويبدو أن هذه الخطوات التي أعقبت فض اعتصامات الإخوان قد بدأت تحقق نتائجها في شل قدرة الإخوان على التحرك، أو إضعاف تأثيرهم الشعبي، وهو ما تجلى أخيراً بالتراجع الكبير في مشاركة أنصارهم في المسيرات التي دعوا إليها، ما يعكس أن حركتهم الاحتجاجية التي قاموا بها على أثر عزل مرسي، ومحاولة استعادة زمام المبادرة عبر الشارع قد فشلت، وهي في طريقها إلى الاضمحلال والتلاشي.