من مأساة الزمن الرديء الذي يعيشه لبنان أنّ هناك من يتباهى بقدرته على فرملة الجهود الآيلة الى تأليف حكومة جديدة لا تعطيه القدرة على تعطيلها متى شاء، في مواجهة من يفاخر بقدرته على استثمار التكليف حتى تأليفها بشروطه، وما بينهما ضاعت جهود رئيس الجمهورية الذي يسعى الى تأكيد حضور لبنان في المجتمع الدولي، فكيف سيلاقيه هذا المجتمع؟

يسافر رئيس الجمهورية العماد ميشال سليمان عصر الإثنين المقبل الى نيويورك للمشاركة في اعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، ثم في المؤتمر الخاص بدعم لبنان في مواجهة أزمة النازحين السوريين المتمادية وتأثيراتها السلبية عليه في المجالات الإجتماعية والإقتصادية والإنسانية، وقبل كل ذلك الأمنية.

وعلى رغم الجهود المبذولة من أجل تحييد لبنان، هناك من يصرّ على المضي في ابقائه تحت تأثير المواجهة الدولية التي تعصف بسوريا، سواء كانوا من انصار النظام او المعارضة، ولذلك فإنهم يتنازعون المواقف إزاء كل شاردة وواردة من طاولة الحوار الى التشكيلة الوزارية الجديدة مع ما يرافق ذلك من نزاع على الصلاحيات والأحجام.

وما بين هذين المحورين، هناك من يعتقد أنه نجح الى حد بعيد في شلّ البلد وقدرات رئيس الجمهورية في إدارة شؤون الدولة، والذي لم يتمكن من تحقيق احلامه بحكومة جامعة تساعد على مواجهة المرحلة الفاصلة عن نهاية الولاية وما بعدها، بما فيها تلك الخاصة بالسعي الى عبور الإستحقاق الرئاسي بما لا يترك فراغاً في قصر بعبدا.

ومناسبة هذا الحديث، استمرار البعض في غيه، متمترساً وراء طروحات "كربجت" البلد على رغم كل التوقعات السلبية المحتملة لإستمرار الوضع متفجراً في سوريا وانعكاساته على لبنان الذي عليه مواجهة نتائج النزاع من دون مؤسساته الدستورية، بلا حكومة تتحمل مسؤولياتها على كل الصعد، خصوصاً تلك المتوقعة متى بدأت المفاوضات السياسية في المرحلة التالية لوضع ملف السلاح الكيماوي على خط المعالجة، وعندما يبدأ الحديث عن تقاسم النفوذ وفق المعادلة الدولية التي آلت اليها التفاهمات الجديدة المبنية على التفاهم الأميركي - الروسي وانصاعت لها بقية القوى والعواصم الدولية واحدة بعد أخرى.

وفي اعتقاد مراجع ديبلوماسية تراقب عن كثب حجم المخاطر المحيطة بلبنان، أن "اللعبة البلدية" لا تقف عند حدود البحث في شكل الحكومة وبيانها الوزاري وإمكان انعقاد طاولة حوار للبحث في مصير سلاح "حزب الله" وكيفية سحبه من "ورطته السورية"، في ما هو يعتقد انه يقوم بـ"مهمة جهادية مقدسة". وقالت انّ القضية اللبنانية باتت مرهونة بشكل الحل الذي يمكن ان تنتجه المواجهة الإقليمية والدولية حول سوريا، بحيث سيكون هذا السلاح من بنود التسوية الكبرى في المنطقة التي ما زالت في علم الغيب. والخوف ان تتم هذه التسوية بمعزل عن إرادة اللبنانيين ومن دون الوقوف عند رأيهم بعد أن أذعنوا للخارج وباتوا من ادوات النزاع لا من قادته، وإذا استمرّوا في خلافاتهم ستعبر الحلول في غفلة منهم، ولن يكون لهم اي رأي حتى بمصيرهم.

وتعترف المراجع الديبلوماسية، بأنه في ضوء هذه الفسيفساء اللبنانية بات على المجتمع الدولي تجاوز المواقف الداخلية المتنازعة حول نظرته الى الوضع في لبنان، والذي لا يراه إلا من زاوية رؤيته للوضع في المنطقة، فيضع هذه المواقف بين الصغائر التي لن تقدم ولن تؤخر في التوجهات الإقليمية والدولية. ولذلك سيعبّر هذا المجتمع في المؤتمر الخاص بلبنان عن دعمه لمواقف رئيس الجمهورية وتوجهاته، ليس لأنه ميشال سليمان فحسب، بل لأنه ساكن قصر بعبدا وفي موقع متمايز عن الآخرين، وقد اصبح في نظر المجتمع الدولي الممثل الشرعي الوحيد للبنانيين ورمزاً لوحدة الوطن في غياب المؤسسات او تعطيلها، ومن لا يصدق ما عليه سوى إنتظار البيان الختامي للمؤتمر الخاص بلبنان، فلننتظر!؟