لم تنته قضية سد بريصا بعد. فالسد الذي بدأ العمل به قبل 12 سنة، على أن يُنفذ في عامين، لا يزال أحجية تشبه قصة إبريق الزيت، إذ يريد مجلس الإنماء والإعمار تسليمه «على عيوبه»، ومزارعو الضنية يرفضون، فهل ينتصر الفساد مرّة أخرى؟

قضية سدّ بريصا في أعالي جرود الضنية عادت إلى الواجهة مجدداً. وبحسب المعلومات، عاد مجلس الإنماء والإعمار، المشرف على بناء السد، لممارسة ضغوطه بهدف تسليمه إلى مؤسستي مياه الضنية ومياه لبنان الشمالي، علماً بأن البلديات في منطقة الضنية ترفض تسلم السد قبل معالجة الثغر والعيوب التي ظهرت فيه، وأبرزها أن أرضية السد لا تضبط المياه المتجمّعة فيه، بل تتسرّب سريعاً إلى باطن الأرض.

فبعدما أرسل مجلس الإنماء والإعمار، في 26 حزيران الماضي، كتاباً إلى مصلحة مياه الضنية رقمه 1/2776 يطلب منها أن تتسلم السد الذي «أنجز وبات جاهزاً للاستعمال» (راجع «الأخبار» 8/7/2013)، ورفضها ذلك بعد اعتراض فاعليات في المنطقة على تسلم السد قبل إصلاح مكامن الخلل فيه، عقد اجتماع في المجلس في 15 آب الفائت للبحث في إيجاد حل لمشكلة السد، حضره ممثلون عن المجلس إضافة إلى نائبي الضنية أحمد فتفت وقاسم عبد العزيز، ونائب رئيس اتحاد بلديات الضنية حسين هرموش ورئيس بلدية قرصيتا محمد علوش، ومدير مؤسسة مياه لبنان الشمالي جمال كريم ومدير مصلحة مياه الضنية ماهر ساعاتي.

خلال الاجتماع عرض ممثلو المجلس أن السدّ الذي يتسع لنحو 1.8 مليون متر مكعب من المياه يوجد فيه حالياً (في ذلك الوقت) نحو 800 ألف متر مكعب، ويمكن استخدام هذه الكمية من المياه في ريّ الأراضي الزراعية، فتم التوافق على تشغيل السدّ مؤقتاً والاستفادة من المياه الموجودة فيه، على أن يعقد في 15 تشرين الأول المقبل اجتماع لتقييم فترة التشغيل المؤقتة للسد.

في 26 آب المنصرم بدأ مهندسون من شركة «بادكو» المتعهدة فتح قنوات تصريف مياه السد، وهي شركة يملكها مقربون من وزير المال السابق جهاد أزعور، على أن يتولى ممثلون عن مصلحة مياه الضنية توزيع هذه المياه على المزارعين في المنطقة.

لكن المفاجأة غير السارة التي كانت بانتظار مصلحة مياه الضنية والمزارعين في المنطقة هي أن مياه السد نفدت في 17 أيلول الجاري، أي بعد 21 يوماً من بدء استعمال السد مؤقتاً، كذلك تبين أن كميات مياه الري التي كانت موجودة في السد لم تتجاوز 172 ألف متر مكعب!

هذه «المفاجأة» تفسر ضغوط وإصرار مجلس الإنماء والإعمار على تسليم السد، من أجل رفع المسؤولية عن عاتقه ورميها على آخرين، متجاوزاً كل الثغرات فيه التي تقع مسؤولية إصلاحها عليه وعلى الشركة المتعهدة، خصوصاً أن السد هو واحد من 27 سداً قررت الحكومة اللبنانية بناءها مطلع الألفية الثالثة، 24 سداً تولت وزارة الطاقة والمياه الإشراف عليها، والسدود الأربعة الباقية التي من بينها سد بريصا أشرف عليها مجلس الإنماء والإعمار.

لكن السد لا يزال يدور في حلقة مفرغة منذ 1 تموز 2003، تاريخ بدء العمل بالسد رسمياً. لكن رغم مضي هذه السنين لا يزال هيكلاً باطونياً، مع أن سدوداً أخرى، مثل سد شبروح، بدأ العمل بها وأنجزت ويجري استخدامها والاستفادة منها، بالتزامن مع بدء العمل في سد بريصا، علماً بأنه شيّد من أجل تأمين مخزون من المياه يروي نحو 6500 هكتار في موسم الجفاف، لينهي أزمة نقص في مياه الري تعاني منها الضنية منذ عقود.

هذا الواقع يُفسّر المحاولات «المستميتة» لمجلس الإنماء والإعمار من أجل تسليم السدّ «على علّاته»، ويوضح بالمقابل إصرار فاعليات المنطقة على رفض هذا التسليم قبل أن تجري معالجة مشكلة أرضية السد، وهو ما ترجم خلال اللقاء الأخير الشهر الماضي في مقر المجلس، وخرج المجتمعون بتعليق أمر التسليم إلى الشهر المقبل.

وحسب المعلومات التي توافرت لـ«الأخبار» عن ذلك الاجتماع، فإن نائبا المنطقة فتفت وعبد العزيز كانا يدعوان، نتيجة تكوّن فكرة خاطئة لديهما عن أشغال السد، إلى تسليمه متذرعين بضرورة إفادة المواطنين من مياهه، وحاجتهم إلى هذه المياه من أجل ريّ مزروعاتهم، لكن مدير مؤسسة مياه لبنان الشمالي جمال كريم اقترح، كمخرج، على ممثلي مجلس الإنماء والإعمار الاستعانة بشركة متخصصة في هذا الموضوع، تكون مهمتها الكشف على مكامن الخلل في مشروع السد وبحث كيفية إصلاح الخلل فيه.

من جهته، أوضح نائب رئيس اتحاد بلديات الضنية حسين هرموش لـ«الأخبار» أن «المعلومات التي توافرت لدينا أن خبيراً، إيطالياً معروفاً لدى مجلس الإنماء والإعمار والشركة المتعهدة، كان قد وضع تقريراً أوضح فيه أن أرضية السد لا تصلح تربتها لتجميع المياه»، مبدياً استغرابه «كيف أن المجلس والشركة المتعهدة يقدمون على بناء سد للمياه من دون الاستعانة بخبراء للتربة لم نلتق بأي منهم حتى اليوم؟».

حل «الثغرة» الكبيرة في السد الذي ناهزت تكاليفه 12 مليون دولار، لا يكون برأي هرموش عن «طريق التخمين والتبصير والسير باقتراحات لإعادة تأهيل أرضية السد (مثل صبّ أرضيته بالباطون أو وضع طبقة من البلاستيك فوقها وغير ذلك) تكون على شكل تنفيعات، بل عن طريق الاستعانة بشركة متخصصة لهذه الغاية، ولو كلفنا الأمر مبلغاً مالياً إضافياً، لأنه يكون أفضل مئة مرّة من إهدار المزيد من الوقت والمال، ومن ثم تبقى المشكلة تراوح مكانها».

أما رئيس بلدية قرصيتا محمد علوش فأبدى أسفه لكون سد بريصا الذي بدأ العمل به بالتزامن مع سد شبروح، لا يزال هيكلاً، مع أن سد شبروح انتهى العمل به، واستفادة الأهالي منه بدأت منذ سنوات.

وأوضح علوش أن الهدف من بناء السد «تأمين حاجة المزارعين من مياه الري، خصوصاً في موسم الجفاف خلال شهري تموز وآب، على أن تحوّل مياه نبع السكر، التي تستخدم حالياً في مجال الري، للاستفادة منها في مياه الشرب، لأن مزارعي المنطقة رفضوا «قطع» مياه نبع السكر عنهم قبل تأمين البديل».

ورأى علوش أن الخلل الذي ظهر في أشغال السد «يبين عدم الجدّية في الدراسات الأولية التي أنجزت له، وفي تنفيذه»، مطالباً بمعالجة الخلل «لأننا نرفض تسلمه وهو بهذه الحالة، لأننا لن نستفيد منه كما نأمل، ولأنه سيوقعنا في ورطة».