وجّهت الضنية رسالة سياسية إلى من يعنيهم الأمر عبر مشاركتها في انتخابات المجلس الشرعي في الشمال أمس وفوز ثلاثة من مشايخها بالعضوية، فيما لفت إقفال الشيخ مالك الشعار باب دار الفتوى أمام الناخبين

كانت المحاولة الثالثة «ثابتة» بالنسبة الى مفتي الجمهورية الشيخ محمد رشيد قباني في ما يتعلق بإجراء انتخابات المجلس الإسلامي الشرعي في الشمال، بعدما نجح أمس في إخراج الانتخابات من عنق الزجاجة، كاسراً الطوق السياسي الذي فرض عليه لمنع إجرائها. فبعد جلسة أولى قبل أشهر لم يُكتب لها النجاح لعدم اكتمال النصاب، وعدم التئام الثانية الأحد قبل الماضي للسبب عينه، أصرّ قباني على إجراء جولة ثالثة من الانتخابات، بناءً على دعوة وجهها الى أعضاء الهيئة الناخبة، على أن تكون هذه المرّة بمن حضر.

لكن جلسة أمس لم تمر بلا تدخلات لمنع عقدها، تمثلت في الاتصالات والضغوط التي مورست على أعضاء الهيئة الناخبة وعلى المرشحين معاً، لثنيهم عن حضورها، فلم يحضر إلا 25 شخصاً من أصل 127 يمثّلون أعضاء الهيئة الناخبة موزعين على أقضية الشمال كافة باستثناء عكار.

لكن أبرز الضغوط تمثل في إغلاق دار الفتوى في طرابلس أبوابها أمام الناخبين الذين حضروا إليها، بعدما وجدوا قراراً ملصقاً عند مدخلها موقّعاً من نائب رئيس المجلس الإسلامي الشرعي الأعلى الممددة ولايته عمر مسقاوي، يطلب فيه من مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار عدم السماح بإجراء الانتخابات في مقر دار الفتوى في طرابلس «باعتبارها باطلة».

تجاوب الشعار مع قرار مسقاوي دفع بعض أعضاء الهيئة الناخبة إلى الاتصال بالأول والاستفسار منه عن سبب إغلاقه الدار أمامهم، فكان ردّه أن «قراراً أتاني فنفذته، ولم يراجعني أحد به». هذا التبرير دفع المتصلين به إلى العتب عليه لأنه لم يشاور أحداً قبل إغلاق دار الفتوى، أقله أعضاء الهيئة الناخبة.

هذا التطوّر دفع قباني، بفعل إصراره على إجراء الانتخابات ولو «ناقصة»، وبعد اتصالات استغرقت وقتاً كان يجريها مع عضو المجلس ومندوبه إلى طرابلس للإشراف على الانتخابات ماهر صقال ورئيس دائرة أوقاف طرابلس الشيخ حسام سباط، إلى نقل مكان إجرائها إلى كلية الشريعة الإسلامية التابعة لدار الفتوى، القريبة من دار إفتاء طرابلس، لكن بعدما كان 11 من أعضاء الهيئة الناخبة قد غادروا المكان، ظنّاً منهم أن الانتخابات لن تجرى، وبقي من أعضاء الهيئة 14 عضواً فقط، انتخبوا 7 أعضاء من أصل 18 مرشحاً رسمياً ، وأسفرت الانتخابات عن فوز كل من المشايخ أمير رعد، مصطفى قرة، مصطفى ملص، الدكتور محمد هيثم الفوال، محمد الحزوري، أحمد همام زيادة وباسم عساف.

هذه النتيجة التي أكدت مقاطعة أغلب القوى السياسية في طرابلس والشمال لقباني، برز فيها أمران لافتان: الأول فوز مرشحين لم يكن فوزهم ممكناً لو لم تحصل المقاطعة، كالشيخ مصطفى ملص المحسوب على قوى 8 آذار، ومحمد الحزوري المقرب من جمعية المشاريع الإسلامية (الأحباش). والثاني هو حضور ناخبي الضنية الذين شكلوا بيضة القبان، وأعطو الانتخابات قدراً معيناً من «الغطاء الشرعي». فقد حضر 15 رئيس بلدية من أصل 21 رئيس بلدية مسلماً في المنطقة، لكن بعد نقل مقر الانتخابات بقي منهم 8 فقط، عدا عن آخرين تأخروا في الوصول، إلى جانب فوز ثلاثة مرشحين من الضنية وتوأمها المنية، هم قرة ورعد وملص، وهو أمر يحصل للمرة الأولى في تاريخ انتخابات المجلس الشرعي الذي كان أحياناً يخلو من أي مرشح عن المنطقة، سواء بالانتخاب أو بالتعيين.

مصادر سياسية مطّّّلعة في الضنية أوضحت لـ«الأخبار» أن مشاركة الضنية بهذا الحجم «كانت رسالة منها إلى من يعنيهم الأمر، بأنها ترفض نهائياً تهميشها وعدم استشارتها في ما يتعلق بقضايا الطائفة السنيّة، برغم أنها تمثّل قرابة 12 من ناخبي الطائفة على مستوى لبنان. وأكدت أن الانتخابات «درس لمن يعنيهم الأمر بضرورة عدم تجاوز الضنية في أي استحقاقات مقبلة، لأن الضنية حيثما تكون ترجّح الكفة».

وإثر ظهور النتائج أوضح ملص لـ«الأخبار» أن «المجلس الجديد يجب أن يعمل بعيداً من السياسة ولمصلحة الطائفة ككل من دون تفرقة وفقاً لانتماءات سياسية»، بينما أشار قرة إلى أنه ترشح باسم اتحاد بلديات الضنية الذي دعمه، وليس باسم الجماعة الإسلامية المحسوب عليها سياسياً، والتي قاطعت الانتخابات.

غير أنه كان لافتاً حضور إمام مسجد السلام الشيخ بلال بارودي الانتخابات، وهو برّر ذلك لـ«الأخبار» بأن قباني «لا يزال مفتياً معترفاً به، بعيداً من قانونية الانتخابات أو لا». وأوضح أن «علاقتي الوظيفية كشيخ قراء طرابلس هي مع المفتي، وهي علاقة جيدة»، مؤكداً أنه «ضد تدخل السياسيين في دار الفتوى، لأن الدار إذا كانت بحاجة إلى إصلاح فيجدر أن يقوم به العلماء لا السياسيون».