لم تبلغ العلاقات السعودية-الأميركية مرحلة من التوتّر، أقلّه إعلامياً، كتلك التي بلغتها أخيراً، بعد إعلان رئيس جهاز الإستخبارات في المملكة، الأمير بندر بن سلطان آل سعود، رغبة المملكة في الحد من تعاونها مع الولايات المتحدة الأميركية، وبعد وصف المدير العام السابق لجهاز الإستخبارات السعودي، عضو الأسرة الحاكمة في المملكة، الأمير تركي الفيصل بن عبد العزيز، سياسات الرئيس الأميركي باراك أوباما بالجديرة بالرثاء، ووصفه أيضاً الإتفاق بشأن الترسانة الكيميائية السورية بالتمثيليّة الهزلية والمثيرة للسخرية "لإتاحة الفرصة لأوباما بالتراجع"... حتى أنّ بعض المسؤولين الأميركيّين فسّروا رفض المملكة قبول المقعد غير الدائم (لمدّة سنتين) في مجلس الأمن، بأنّه رسالة احتجاج إلى واشنطن وليس إلى مجلس الأمن. فما هي أسباب هذا التوتّر المستجدّ في ​العلاقات السعودية الأميركية​؟

أوّلاً: إستمرار فشل الولايات المتحدة الأميركية في الضغط على إسرائيل، لمنح الفلسطينيّين دولة مستقلّة، الأمر الذي يضعف موقف المملكة إزاء انتقادات إيران وسوريا لها بمجاراة السياسة الأميركية والتخلّي عن القضيّة الفلسطينيّة.

ثانياً: فشل السياسة التي اعتمدتها الولايات المتحدة الأميركية في العراق، الأمر الذي أسفر عن تمدّد النفوذ السياسي والعسكري لإيران إلى العراق، وصولاً طبعاً إلى الحدود العراقية-السعودية.

ثالثاً: إحجام الولايات المتحدة الأميركية عن تأييد خطوات التدخّل العسكري السعودي في مملكة البحرين بشكل واضح، الأمر الذي أضعف الغطاء السياسي الذي كانت الرياض تأمله من المجتمع الدولي.

رابعاً: إتخاذ الولايات المتحدة الأميركية مواقف مغايرة، وفي بعض الحالات مناقضة، لموقف السعودية، من كثير من الإنتفاضات في الدول العربية، إن في تونس أو ليبيا وخصوصًا في مصر.

خامساً: إهمال الولايات المتحدة الأميركية حلفاء المملكة في لبنان، وعدم اهتمامها إلا بما يُهدّد أمن إسرائيل، بالنسبة إلى الملف اللبناني ككل.

سادساً: عدم توجيه الولايات المتحدة الأميركية ضربة عسكريّة لقوّات النظام السوري غداة ما قيل أنه مجزرة كيميائية في آب الماضي. وأسفر هذا الإحجام عن خيبة أمل لدى كل القوى التي تدعمها المملكة، في مقابل إرتفاع معنويات القوى المدعومة من منافستها إيران. كما أنّ عدم اعتماد الخيار العسكري بدّد فرصة التأثير مباشرة على موازين القوى العسكرية في الصراع، وحوّل الرئيس السوري بشار الأسد من موقع المُتهَم بارتكاب المجازر إلى موقع المسؤول المُتعاوِن مع القرارات الدوليّة.

سابعاً: إزدياد وتيرة التصاريح المتفائلة بالنسبة إلى سير المفاوضات الأميركية-الإيرانية، وما يمكن أن تنتج عنه في النهاية، من اتفاقاتٍ ثنائيّة على حساب العلاقات الأميركية-السعودية، وربّما على حساب القضايا التي تدعمها السعودية بمواجهة إيران.

في الخلاصة، تَعتبر المملكة العربيّة السعودية أنّ السياسة الأميركية في الشرق الأوسط تعطي الأولويّة لمصالحها الدولية، من دون إعطاء أيّ أهميّة للدور وللنفوذ وللمصالح السعودية الإقليمية، وفي بعض الأحيان على حساب هذا الدور والنفوذ وهذه المصالح. وتخشى المملكة استمرار تمدّد النفوذ الإيراني على حساب تقلّص نفوذها، في أكثر من بلد عربي، خصوصًا في ظلّ السعي المستمر لتثبيت مفهوم "الهلال الشيعي" الذي يمتدّ من إيران، مروراً بالعراق وسوريا، وصولاً إلى لبنان الواقع سياسياً وأمنياً بقبضة "حزب الله"، بحسب النظرة السعودية إلى الوضع الحالي. وتحاول المملكة حالياً، عبر إبداء الإعتراض العلني على السياسة الأميركية المعتمدة في أكثر من ملف في الشرق الأوسط، الضغط على الإدارة في واشنطن لحملها على أخذ المخاوف السعودية في الإعتبار، خصوصًا بالنسبة إلى الملف الإيراني الحسّاس جداً بالنسبة إلى الرياض، وكذلك بالنسبة إلى الملف السوري الدقيق بالنسبة إلى نفوذ وهيبة الرياض في العالمين العربي والإسلامي ككل.