إنسوا الحكومة. سيتحوّل مجرى السياسة في لبنان خلال أسابيع لتصب على موضوع واحد هو انتخابات رئاسة الجمهورية. ستبدو الحياة السياسية طبيعية وتحت السيطرة كما في الأشهر الأخيرة من كل عهد في بلد غير لبنان. سترتدي أحاديث الشأن العام أقله شيئاً من التشويق.

تحصل انتخابات رئاسية أو لا تحصل؟ فراغ أو تمديد؟ ومَن هم المرشحون لخلافة الرئيس ميشال سليمان الذي تنتهي ولايته في 25 أيار 2014 ويفترض أن يُنتخب أحدهم قبل ذلك اليوم في مهلة تبدأ قبل شهرين، تحديداً في 25 آذار؟ الشهر خلف الباب. وثمة أسئلة كثيرة ستكر لأن قصص السبق الى الرئاسة مثيرة ينتظرها السياسيون والشعب في العادة. يعدّون السنوات والأشهر حتى موعد حلولها. من لا يذكر البرامج التلفزيونية وملاحق الجرائد عن المرشحين وبرامجهم والتوقعات؟ لا شك أن الانتخابات ستفرض نفسها على وسائل الإعلام مرة أخرى وتنسحب أمامها التصريحات والمواقف من حكومة الرئيس المكلف (إلى الأبد؟) تمام سلام.

ستلهج المجالس بالأسئلة إذاً، من عيار: ماذا يريد الأميركيون في معركة الرئاسة، ومن يريدون؟ السعودية ما رأيها، لمن تميل؟ والعالم أجمع؟ سيكون اسم كل وجيه ماروني مطروحاً عند انطلاق التصفيات قبل طرحه من الحسبان، ليرسو الشوط الأخير على اسمين أو ثلاثة قبل انتخابات، يمكن أن تحصل كما يمكن ألا تحصل.

لو عرضت بعضاً من هذه الاستفهامات على سياسيين قبل أشهر أو أسابيع لأجابوا في معظمهم "بعد بكير". ثمة من لن يصدق أن الرئيس سليمان سيظل عازفاً عن التمديد إذا فرضت الظروف وتوافق الشرق والغرب وادلهمَّ الخطر على لبنان بحلول يوم انتهاء الولاية بلا رئيس. "هل هناك رئيس جمهورية يرفض التمديد أو التجديد؟" يتساءل مسؤول كبير وسياسي، وعندما يسمع الجواب: "نعم، ميشال سليمان" يحاول قراءة المستقبل بالاعتماد على رؤيته إلى موازين القوى: "إذا حصل الانتخاب اليوم فإنه يوصل إلى بعبدا، أمثال الوزير السابق جان عبيد، حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قائد الجيش العماد جان قهوجي... من يدري؟".

لكن قيادياً مسيحياً بارزاً يرجح في ظل موازين القوى الحالية أسماء مثل وزير الداخلية والبلديات مروان شربل، رئيس لجنة الإدارة والعدل النائب روبير غانم. أما إذا تغيرت الموازين نحو قوى 8 آذار بربح النظام في سوريا حربه على الثوار - وهذا شبه مستحيل - فسيفرز الوضع الجديد رئيس "تيار المردة" النائب سليمان فرنجية، وليس غيره، رئيساً يعيد إلى قصر بعبدا التقاليد الزغرتاوية بعد 43 عاماً على فوز جده الرئيس الراحل سليمان فرنجية بفارق صوت على خصمه الذي سيخلفه بعد ست سنوات الرئيس الراحل الياس سركيس. أما إذا مالت صوب قوى 14 آذار فرئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع. من يدري؟ قلة قليلة من اللبنانيين تدرك مكامن قوة هذا الرجل الذي غاب عن الساحة 11 سنة ونيف وعاد متوثباً لمتابعة العراك السياسي كأن شيئا لم يحصل.

ثم، أليست مفارقة أن يتفق الرجلان جعجع وفرنجية على أن نصاب جلسة الانتخاب يجب احتسابه على قاعدة النصف زائداً واحد؟ إذا غلب سوء الظن عند المراقب فسيستنتج أن هذا النصاب لا غيره هو الذي يوصل أحدهما إلى القصر الجمهوري.

جعجع وفرنجية؟ يا لغرابة عالم السياسة في لبنان؟

ولكن ماذا عن الأميركيين؟ "بالتأكيد يريدون حصول الانتخابات. إنهم يبلغون بذلك من اليوم كل الأفرقاء المعنيين. سيرمون بثقلهم كي تتم"، يقول سياسي بارز لـ"النهار". ولكن ما كل ما أراده الأميركيون تحقق في لبنان، والعادة أن يديروا ظهورهم عند بروز عرقلة. جوابه أن "ما يحفظ استقرار لبنان اليوم بالحد الأدنى هو تفاهم بين واشنطن وروسيا ودول أخرى شرقاً وغرباً ضغط على بقية الدول والأفرقاء. أميركا قادرة عندما ترغب على توفير تفاهمات إيجابية. إذا كان الرأي أن الفراغ الرئاسي يمثل خطراً كبيراً على الاستقرار والأمن في لبنان، وهذا المرجح، فسوف يُنتخب رئيس للجمهورية يشكل انعكاساً للظروف وموازين القوى لحظة الانتخاب".

ستفتح قريباً إذاً. معركة رئاسية فلتكُن. على أمل أن يقرأ الموارنة رسالة من بقية اللبنانيين مطوية في الصدور: قدموا أفضل مَن عندكم... رجاءً.