اقتصر مؤتمر طرابلس على قوى 14 آذار، علماً بأنه أدرج في إطار العمل على إجراء مصالحة وطنية شاملة في المدينة، فلم تدع فعاليات سياسية ودينية فاعلة لتحاشي دعوة المجلس العلوي، لينتهي المؤتمر بكلام عام هو أقرب إلى الثرثرة

قبل نحو شهرين، أعلن مسؤولو تيار المستقبل في طرابلس والأمانة العامة لقوى 14 آذار أنهم سينظمون مؤتمراً في طرابلس. وأشار منسق «التيار الأزرق» في المدينة مصطفى علوش إلى أن الغاية من المؤتمر هي تأكيد أن «طرابلس ترفض الإرهاب وسيلة للتعاطي بين جميع فئاتها، وتظهيرها مدينة حقيقية وجامعة، وأنها ليست منغلقة».

تضاربت مواعيد عقد المؤتمر إلى أن حُدّد أخيراً بيوم أمس الأحد، وأعلن أنه سيشارك فيه قرابة 200 شخصية من قوى 14 آذار، وسيعقبه صدور «إعلان طرابلس».

يؤكد مصدر في تيار المستقبل أن «التحضيرات للمؤتمر سلقت سلقاً»، ولهذا السبب لم يرافقه ضجيج سياسي، وانتهى وغادر المشاركون فيه طرابلس من غير أن ينتبه أهلها إلى أن شيئاً ما قد طرأ على حياتهم.

قبل نحو شهرين أشار علوش إلى أن المشاركين في المؤتمر سيمثلون الفئات الطرابلسية بكل تعدّدياتها السياسية والدينية، لإظهار أن الاختلاف السياسي هو حق مكفول للجميع شرط عدم استخدام العنف، لكن أمس تبيّن أن المؤتمر اقتصر على قوى 14 آذار.

يشير المصدر المستقبلي إلى أنه «طرحت خلال فترة التحضيرات للمؤتمر فكرة دعوة كل القوى السياسية في طرابلس، لكننا اصطدمنا بواقع أن هناك قوى أخرى في المدينة كالرئيسين نجيب ميقاتي وعمر كرامي والوزير محمد الصفدي والحزب العربي الديمقراطي، وعدداً من القوى الإسلامية، لا تشاركنا التوجه السياسي نفسه، فارتأينا أن يقتصر المؤتمر علينا، حرصاً على إنجاحه».

لكن ما لم يقله المصدر الأزرق أوضحته مصادر سياسية لـ«الأخبار» بإشارتها إلى أنه «طرحت فكرة دعوة مفتي طرابلس والشمال الشيخ مالك الشعار لحضور المؤتمر، لكونه يُعقد في مدينته، لكن الفكرة ألغيت لأن دعوة الشعار سوف تفرض دعوة رجال دين مسيحيين وعلويين، وعلى رأسهم رئيس المجلس الإسلامي العلوي الشيخ أسد عاصي، وهو ما كان بنظر المنظمين غير مقبول».

ولعله لهذه الغاية، وفور انتهاء أعمال المؤتمر ومغادرة المشاركين فيه فندق «كواليتي إن» الذي استضاف المؤتمرين، توجه الرئيس فؤاد السنيورة يرافقه النائب مروان حمادة والوزير السابق محمد شطح إلى منزل الشعار، في زيارة اعتبرت للاعتذار منه وتوضيح مبررات عدم دعوته.

المصادر السياسية رأت أن «ما سيصدر عن المؤتمر لن يكون أكثر من حبر على ورق، وأن البيان الختامي جاهز سلفاً، وأن المشاركين في المؤتمر عاجزون عن تقديم أي شيء لطرابلس، وإلا ما معنى عقد مؤتمر للمصالحة في طرابلس لا يشارك فيه مشايخ معمّمون، ولا قادة محاور ولا فاعليات علوية؟». ورأت أن المؤتمر «مجرد ثرثرة فوق طرابلس».

وتوقفت المصادر عند «المصالحة الطرابلسية» التي أنجزت في منزل الشعار عام 2008، لتقارنها بمؤتمر أمس، لافتة إلى أنه «آنذاك جرت المصالحة بحضور الشعار ورؤساء الحكومة الحاليين والسابقين، السنيورة وكرامي ونجيب ميقاتي وسعد الحريري والوزراء والنواب والفاعليات الطرابلسية، ومع ذلك فشلت المصالحة لاحقاً. فهل سيكون مصير مؤتمر أمس أفضل؟ وهو يقتصر على فريق واحد بدا أمس كأنه يحاور نفسه؟».

هذا الموقف السلبي من المؤتمر أكدته أيضاً مصادر مقربة من ميقاتي، وصفت المؤتمر بأنه عبارة عن «سيران»، لافتة إلى أنه «كان يفترض بهذه القوى أن تتحرك منذ الجولة الأولى من الاشتباكات، وليس الانتظار 18 جولة، وأن يدعموا الجيش والقوى الأمنية في تنفيذ الخطة الأمنية، وأن طرابلس لا تحتاج إلى مزايدات على حساب أهلها».

أما في جبل محسن، فوصفت مصار في الحزب العربي الديمقراطي المؤتمر بأنه «كذبة كبيرة»، معبّرة عن عدم تفاؤلها بما صدر عنه، لأن المشاركين فيه «ليس بيدهم أي شيء». لكن المصادر أكدت أن الحزب «مع أي خطوة تضبط الأمن وتمنع الاعتداءات على المواطنين».

وكان المؤتمر افتتح أمس بكلمة لمنسق الأمانة العامة لقوى 14 آذار النائب السابق فارس سعيد، قال فيها «نحن مدعوون لتظهير الواقع الحقيقي لأبناء هذه المدينة»، وأن مشكلة طرابلس هي «قضية وطنية بامتياز».

لكن الكلمة الأبرز في المؤتمر، بمعزل عن البيان الختامي، كانت للسنيورة، ووصفت بأنها «هادئة وغير تصادمية في توقيتها ومضامينها، بعد خطابات التخوين، والتقوقع المناطقي والمذهبي». فأكد السنيورة أن طرابلس «مدينة الوسطية والاعتدال والعيش المشترك». وأعلن «من طرابلس العاصمة الثانية للبنان، لمن يريد أن يسمع، أن المسلمين السّنة في لبنان هم أهل اعتدال وحكمة ودولة، وأهل الالتزام بالقانون وتطبيقه».

وقال: «أتينا اليوم إلى عاصمة الشمال لنقول إنه لا فرق بين أبناء المدينة الواحدة، لأن ما يوحدهم أكبر وأكثر من الذي يفرّقهم، ولنقول إن أهالي بعل محسن وباب التبانة هم عائلة واحدة».

وأعلن السنيورة «رفض تعصّب وانغلاق وضيق صدر بعض المسيحيين، كما نرفض تطرف وشطط بعض غلاة الشيعة القادم من طهران عبر سياسة ولاية الفقية العابرة للحدود السياسية، هذه السياسة التي أقصت وكفرت وفجرت وقتلت. كما أننا في الوقت عينه نرفض رفضاً باتاً أيضاً تطرف بعض غلاة السنّة وميلهم إلى اعتماد أسلوب التكفير والعنف والحساب بحق أي كان».

وأضاف: «لا نقبل وصاية الشقيق ولا سيطرة الصديق، بل نطالب الجميع باحترام لبنان الوطن الحر السيد المستقل ومواطنيه المسالمين».

أما البيان الختامي للمؤتمر فدعا إلى «التحضير لمصالحة وطنية في طرابلس على غرار ما حصل في جبل لبنان تقوم على التعويض على ضحايا العنف يُبدأ بتنفيذها بعد إحلال الأمن». وحث على «تطبيق العدالة التي هي الأساس لكل ملك وحكم، بدءاً بملاحقة وتوقيف ومحاكمة كل الفاعلين والمحرضين في جريمة مسجدي التقوى والسلام وملاحقة كل مرتكبي جرائم القتل والاعتداء على الناس». وأشار إلى أن «المجتمعين أجمعوا على الطلب من الجيش وقوى الأمن فرض الأمن بالحزم اللازم من دون الإفراط في استعمال القوة». ولفت إلى أنه «ثبت للجميع قدرة الجيش على ضبط الوضع متى أراد»، داعياً إلى إعادة بناء جسور الثقة بين الدولة الراعية وبين الناس، ووضع خطة شاملة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية توفر التعليم وفرص العمل لمن حرموا منها».