صدر مرسوم تنظيم عمل الأجانب في لبنان في 18 ايلول 1964، وعدل اكثر من مرة عام 1984 وعام 2005، الا ان تنفيذ مواده الواضحة يبدو خيالا في لبنان خصوصا مع تزايد اعداد العمال الاجانب المتواجدين على ارضه، بالاضافة الى ازمة النازحين من سوريا التي "زادت الطين بلة" وجعلت ازمة العمالة الاجنبية في لبنان تقارب حدود الكارثة.

يفرض القانون اللبناني على العمّال الاجانب الراغبين بالعمل في لبنان عددا من الشروط وهي حسب مواد مرسوم تنظيم عمل الاجانب في لبنان: الموافقة المسبقة، وشرط الحصول على اجازة عمل، بحيث ينص القانون بأنه "على الاجنبي الذي يحصل على موافقة مسبقة للعمل ان يتقدم خلال 10 ايام على الاكثر من تاريخ دخوله لبنان من ​وزارة العمل​ بطلب الحصول على اجازة العمل..."، بالاضافة الى اجراءات اخرى.

هذه الاجراءات المنصوص عنها في القانون لا تسري على كل جنسيات العمال الاجانب، فالعامل المصري يشكل استثناء وهو لا يدفع اي مبلغ من اجل الاستحصال على اجازة عمل استنادا لمبدأ المعاملة بالمثل بين لبنان ومصر. وايضا العامل السوري الذي يخضع لموجب بنود اتفاقية موقعة بين لبنان وسوريا تنص بحسب مدير عام وزارة العمل بالانابة عبد الله رزوق على ان يدفع العامل السوري 25 بالمئة فقط من المبلغ المتوجب دفعه للحصول على اجازة عمل. واضاف رزوق في حديث لـ"النشرة": "العامل السوري والفلسطيني ليسا بحاجة لموافقة مسبقة وهما يستطيعان القدوم الى لبنان والتقدم من الجهات المختصة بطلب الحصول على إجازة عمل".

7 آلاف عامل سوري حائز على اجازة عمل

وفي نظرة سريعة على الارقام التي حصلت عليها "النشرة" من مصادر في وزارة العمل يتبين لنا ان عدد العمال السوريين الحائزين على اجازة عمل في لبنان لا يتعدى السبعة الاف عامل، بينما يصل عدد مجمل العمال الاجانب المستوفين شروط العمل في لبنان الى نحو مئتي الف عامل. ومن هنا نلاحظ الفرق الشاسع بين الواقع المطبق على الارض والقانون الذي ينظم عمل الاجانب في لبنان. فمن منا لا يتذكر القضية التي اثارتها "النشرة" والتي تتعلق بالشاب سامر م. الذي خسر عمله في صيدلية في جل الديب لصالح شاب سوري، والامر نفسه الذي حدث مع زميلته؟ ومن لم ينتبه بعد للاعداد الكبيرة من المحال التجارية المملوكة من قبل سوريين واجانب؟ ومن لم يلتفت لكثافة العمال الاجانب في مجالات العمل اللبنانية؟ مع العلم ان معظم هؤلاء الاجانب لم يتقيدوا بالقوانين اللبنانية، وبالتالي "يأكلون" فرص العمل من فم اللبناني. حيث وصلت أعداد العمّال الأجانب الى أكثر من 700 الف شخص من التابعية السورية وحدها، فيما تجاوزت أرقام العمالة الأجنبية الأخرى غير المنظّمة الى أكثر من 150 ألف شخص يعملون بطريقة غير شرعية.

وفي هذا السياق لفت عبد الله رزوق الى ان على كل عامل اجنبي يود ان يعمل في لبنان ان يحصل على اجازة عمل باستثناء من هم رعايا دولة عدوّة للبنان، الا ان ما يميز العامل السوري عن باقي العمال هو وجود اتفاقية ثنائية بين لبنان وسوريا بشان تبادل اليد العاملة كما اشرنا سابقا. واضاف: "ان مشكلة العمال الاجانب في لبنان هي مشكلة مزمنة، سببها دخول اعداد كبيرة منهم الى وطننا دون مراقبة، الامر الذي ادى لأزمة تفوق بحجمها قدرة وزارة العمل على حلها منفردة". واشار رزوق الى ان عملية النزوح التي حصلت في الاعوام الماضية من سوريا الى لبنان فاقمت المشكلة حتى وصلت لما هي عليه اليوم". واكد رزوق ان الوزارة تعمل بشكل دؤوب من خلال شراكتها مع اللجنة المعنية بملف النازحين السوريين في لبنان لمحاولة التخفيف قدر الامكان من النتائج السلبية لهذا النزوح على قطاع العمل اللبناني. وفي هذا الاطار علمت "النشرة" ان اللجنة الوزارية المعنية بهذا الملف توقفت عن العمل نهائيا منذ فترة وكل ما قيل عن اجراءات ستتخذ لحماية اللبنانيين بقي حبرا على ورق، مشيرة وأشارت مصادر لـ"النشرة" الى ان المواطن هو من بدأ بالتحرك من اجل حماية لقمة عيشه كما حصل في مناطق بقاعية منذ ايام قليلة حيث تم اغلاق محال تجارية تابعة لاجانب بالقوة، متوقعة ان ينسحب هذا الاجراء على الاراضي اللبنانية كافة.

الحلول المطروحة..

اشار رزوق بداية الى ان تغيير شروط استخدام العمال السوريين ليس بيد وزارة العمل بل بيد من يعدل الاتفاقيات الموقعة بين الدول، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة تضافر كل جهود المسؤولين في الدولة اللبنانية على حل هذه المعضلة. وقال: "نرفض رفضا مطلقا طرد اي عامل لبناني من عمله من اجل تشغيل اجنبي مكانه"، طالبا في هذا الاطار من اي لبناني تضرر من جراء طرد تعسفي كهذا ان يسارع بتقديم شكوى لدى الوزارة التي تعد باتخاذ الاجراءات المطلوبة. وقال رزوق: "ليس لدينا في وزارة العمل العدد الكافي من المفتشين لتغطية كامل الاراضي اللبنانية ولذلك فاننا ننتظر الشكاوى كي نتحرك"، مشيرا الى ان الوزارة تتخذ سلسلة اجراءات عقابية تجاه صاحب العمل الذي يشغّل اجانب دون اجازة عمل او يخالف شروط الاجازة، بينما بالنسبة للعامل نفسه فيتم بابلاغ مديرية الامن العام التي تتولى مسألة ترحيل الاجانب.

اما بالنسبة للحلول التي تقوم بها وزارة العمل والتي يمكن ان تساهم بالحد من عمالة السوريين المخالفين للقانون وغيرهم من الاجانب المخالفين ايضا،علمت "النشرة" ان مشروعا جديدا سيبصر النور في وزارة العمل قريبا سيساهم بتحديد الاعداد الحقيقية للاجانب المخالفين ومعرفة مكانهم، وهذا المشروع بحسب ما علمت "النشرة" يهدف لتنفيذ اجازة عمل الكترونية والبدء باستخدام المكننة في كل دوائر العمل والدوائر المعنية بالعمالة الاجنبية، مما سيؤدي لضبط ظاهرة تفلت الاجانب من القانون.

يعاني المواطن اللبناني من ضعف سوق العمل، ويخسر لبنان طاقاته الشابة جراء هذا الضعف، فيهاجر الشباب بحثا عن مستقبل افضل، وكل ذلك بسبب عدم قدرة الدولة اللبنانية على ضبط مسألة دخول العمال الاجانب اليها، وهذا ما يستدعي تدخلا فوريا وسريعا من قبل المعنيين لضبط الحدود واعادة النظر ربما باتفاقيات موقعة بين لبنان ودول اخرى اذ لا تجوز المقارنة بين دولة صغيرة المساحة وقليلة عدد السكان كلبنان ودول كبرى قريبة او بعيدة كي يصار الى توقيع اتفاقيات كتلك الموقعة حاليا والتي تشكل ظلما للمواطن اللبناني.