لم يكن لارتباط حركة "حماس" بتنظيم "الاخوان المسلمين" أيّ تأثير سلبي على نشاتها ونضالها في سبيل القضية الفلسطينية في وجه اسرائيل، رغم أنّ منظمة الاخوان كانت محظورة في العديد من الدول العربية آنذاك.

منذ ان أعلن الشيخ أحمد ياسين عن تأسيس الحركة، بعد حادثة الشاحنة الاسرائيلية في 6 كانون الاول 1987، اعتبرت هذه الحركة ذات طابع متشدد اسلامي، واحدى الفصائل الفلسطينية المقاومة التي حصلت على دعم من اتجاهات قد تعتبر متعارضة.

هذا التضاد جمعته القضية التي رفعتها حركة "حماس"، بحيث استطاعت رغم انتمائها الى تنظيم "الاخوان"، أن تحصل على دعم من الجمهورية الاسلامية الايرانية، ومن الحكومة السورية. ومع مرور الوقت استطاعت الحصول على دعم شعبي عربي واسلامي نظرا لقدرتها على فرض نفسها كقوة رادعة وان بشكل محدود للجيش الاسرائيلي وخصوصا في قطاع غزة، الى ان اعتبرت منظمة ارهابية في العديد من الدول. واستطاع هذا التنظيم المسلح ان يشعر اسرائيل بخطره، ما دفع القوات الاسرائيلية لاعتقال مؤسس الحركة والعديد من قادتها، وعندما لم تفلح في الحد من قدرته، لجأت تل أبيب الى اغتيال الشيخ احمد ياسين وعدد من القادة العسكريين والسياسيين. فكلما اغتالت اسرائيل واعتقلت ابناء هذه الحركة، اتسعت رقعة التعاطف الشعبي رغم سخط بعض انظمة "الاعتدال العربي" حينها. الا ان هذا التعاطف والدعم تحول في ايران ودمشق تحديدا الى احتضان لم يشبه اي لغط، لا بل بقي متناغما، وارتقى الى التعاون العسكري، كما ظهر جليا خلال العدوان على قطاع غزة في العام 2008 حيث تم انشاء غرفة عسكرية مشتركة ايرانية سورية وفلسطينية في دمشق لبحث تداعياته واستخلاص العبر.

بقي هذا التنسيق في اعلى مستوياته الى حين اندلاع "الربيع العربي"، الذي قلب انظمة في بعض الدول وادى الى فوضى في دول اخرى. وبعد ان سقطت دول "الاعتدال العربي"، وجد الشارع المصري والتونسي البديل في اعطاء فرصة للاسلام السياسي فوصل الاخوان الى السلطة، وعندها تنفست حركة حماس الصعداء وخصوصا في مصر.

هذا الانشراح المصري، انعكس سلبا في سوريا التي كانت الحاضنة السياسية لهذا التنظيم لسنوات عدة، حيث وجدت حماس نفسها امام "امتحان اسلامي"، فكان الخيار اما ان تاخذ موقفا مع النظام في سوريا الذي احتضنها، او الوقوف مع الجماعات المعارضة التي تحولت الى مسلحة ولكن بطابع اسلامي متشدد.

هنا اختارت حماس التخلي عن ماضيها، رغم كل الدعم، وقررت ان تنقل مقر قيادتها من دمشق الى قطر حيث يتواجد المرشد الروحي لها يوسف القرضاوي بدعم من الحكم في الدوحة. ثم انتقلت حماس من مرحلة الموقف المعادي لحليفها السابق السوري الى مرحلة القتال ضده وتدريب الجماعات الاسلامية المعارضة في شمال سوريا.

والجدير بالذكر ان هذا الانشراح المصري لم يدم اكثر من عام حيث اسقط الشعب حكم الاخوان، الحليف الاساس لحماس، عندها قررت جماعة الاخوان تفجير الوضع الامني في العديد من المناطق والمدن المصرية. وما صعب الموقف هنا، كان ارتباط هذه الانفجارات التي وقعت في مصر بحركة حماس على اعتبار ان منفذيها التجأوا الى قطاع غزة او كانوا قد تلقوا التدريبب من قبل هذه الحركة.

ومع تغير الاوضاع مرة جديدة في المنطقة، وانتقال السلطة في قطر وان من حيث الشكل، فان ارتباط صفة الارهاب في العديد من الدول العربية بحركة حماس، وضع ضغطا اضافيا عليها، خاصة ان المجتمع الدولي ودول المنطقة استعادت مفهوم "مكافحة الارهاب" وضرورة استئصال التطرف والفكر التخريبي، المتصل بمنظمة الاخوان وبتنظيم القاعدة، مما جعل حماس امام منعطف خطير متمثل بسحب الثقة الشعبية التي لطالما حصلت عليها، كما انها اصبحت امام خطر مواجهة اسرائيل في اطار مواجهة الارهاب، ولكن هذه المرة قد تكون مواجهة فردية دون اي غطاء من اي "حليف ممانع"، الا في حال مراجعة مواقفها، ولكن هل ستستطيع حماس أن تعيد تموضعها كفصيل مقاوم لاسرائيل لا أكثر؟