«وينو خليني شوفو لإطمّن عليه». صرخت إحدى السيدات وهي تتجه الى موقع التفجير الانتحاري الذي وقع في منطقة الشويفات أمس. ركض خلفها شاب: «حسين بالقهوة، أنا شفتو كان لابس أسود». قالها كمن يعطيها دليلاً على صدقية كلامه. لا تصدق السيدة ما سمعته. تصرّ على رؤية ابنها. «خليني شوفو لإطمّن عليه» تقول. يسير معها في اتجاه القهوة المفترضة. يختفي الاثنان في العتمة التي لفّت منطقة التفجير.

لم تعد الشويفات على تخوم الضاحية فحسب بل باتت، بتفجير أمس، في قلبها. بالقرب من محطة الريشاوي، حيث فجّر انتحاري نفسه في فان ركاب، تجمهر أبناء المنطقة كما جرت العادة بعد كل تفجير. على طول الطريق المؤدي الى المكان اصطف عناصر من حزب الله. قطعوا الطريق أمام من لا عمل لديه. هذه المرة، لم تصب المباني المحيطة بمكان التفجير بأضرار تذكر. لا زجاج محطماً، ولا نيران مشتعلة في الطوابق العليا، ولا شيء من المناظر التي اعتادها أبناء الضاحية في التفجيرات السابقة، حتى إن بعض المحال الملاصقة لم تغلق أبوابها. المنطقة المستهدفة بعيدة عن أماكن التفجير القديمة، لا رمزية للمنطقة، ولا مكاتب علنية لحزب الله هنا، وإن كانت المؤشرات الأولية تشير الى أن الانتحاري كان في طريقه الى الضاحية. ولحسن الحظ، لم يكن عدد الضحايا كبيراً. سقط جريحان هما حسين مشيك صاحب الفان، وآمال الأحمدية التي كانت تمر بالقرب منه، فيما عمل رجال الأدلة الجنائية على جمع أشلاء الانتحاري.

في موقع التفجير لفّ الظلام الدامس كل شيء. كانت الكهرباء مقطوعة. أنير المكان بأضواء سيارات الاطفاء والاسعاف وكاميرات المصورين. في وسط الطريق انتشر عناصر الجيش حول الفان الذي تحول كومة من حديد، إذ يبعد موقع التفجير بضعة أمتار عن حاجز للجيش ونصب رجل الاستقلال المير مجيد أرسلان. قوة الانفجار شطرت الفان الابيض الى نصفين، وتناثرت أجزاؤه المتفحمة الى أماكن بعيدة عن موقع التفجير. حمل بعض الفضوليين أجزاء الفان ودققوا فيها إن كان عليها بعض أشلاء الانتحاري. مع مرور الوقت يزداد عدد الفضوليين في المكان، وكما في كل مرة، وجدت القوى الامنية صعوبة في تفريقهم. فجأة يعلو صوت ضابط عبر مكبّر للصوت «رجاءً ممن لا عمل لديه ترك الساحة». لا أحد يستجيب. يتدخل عناصره ويصطدمون ببعض الشبان المتحمسين. في هذه الأثناء كان عناصر الأدلة الجنائية والشرطة القضائية واستخبارات الجيش يجمعون المعلومات من مكان التفجير. ينسل أحد الواقفين بين العناصر الأمنية وهو يتكلم على هاتفه. «الحمد لله الكل بخير، الفان لابن مشيك، عم بقولوا حالتو حرجة». الرجل «شوفير فان» هو الآخر، ويعمل على الخط منذ سنوات. يعرف الجريح. لا يطيل الكلام. أراد التأكد ما إذا كان على متن «الفان» مساعد للسائق. «حسين كان وحدو»، يقول. ترك الرجل الساحة بهدوء. تمتم وهو يضرب كفاً بكف «أي دين بقلهم يعملوا هيك، أي إسلام بحلّل لهم هالشي، لا إله إلا الله».

مع توافد وسائل الاعلام تجذب الكاميرات الحاضرين. يدلي الجميع بدلوه. خلف إحدى المذيعات يتجمهر عدد من الشبان. يرددون الشعار الذي أصبح لازمة بعد كل تفجير «لبيك يا زينب». يبدأ الحضور بالانسحاب. يتوجه بعضهم الى مستشفى كمال جنبلاط القريب حيث نقل الجريحان. على الطريق يحلّل شابان ما جرى. بالنسبة إليهما، انتقلت الحرب الدائرة ضد الارهاب الى مرحلة مخيفة، فهذه المرة استقل الانتحاري وسيلة نقل عام، بدل قيادة سيارة. يقول أحدهما «ربما بدأت الحواجز الأمنية تجدي نفعاً». يعلّق رفيقه «لن أركب فاناً بعد اليوم».

وقد أعلنت مديرية التوجيه في الجيش في بيان أن انتحارياً «أقدم داخل فان لنقل الركاب على تفجير نفسه، قرب محطة الريشاني ـــ الشويفات، مما أسفر عن وقوع إصابات». ومساءً، أصدرت المديرية بياناً أعلنت فيه «بنتيجة كشف الخبراء العسكريين على موقع الانفجار في منطقة الشويفات، تبين أن كمية المتفجرات المستعملة في الحزام الناسف هي عبارة عن خمسة كيلوغرامات من المواد المتفجرة». يرحل الجميع عن مكان التفجير. قلّة الإصابات حوّلت الحدث الى نكتة على مواقع التواصل الاجتماعي. لكن تفجير وسيلة نقل عام مثلما حدث أمس هو إعلان عن مرحلة جديدة من الإرهاب.