لم يكن إضراب تجار الصاغة في سوق طرابلس العتيق مجرّد تحرّك مطلبي ومعيشي بل كان تحركا نابعاً عن خطر أمني بدأ يشعر به أصحاب المحلات في ذلك السوق... ففي الواقع، لقد وصل الوضع في تلك الشوارع الضيّقة والجميلة التي حاكتها حضارات عبر الزمن إلى حد "يصعب احتماله" كما يؤكد أحدهم، مشيراً إلى أن "الفوضى عارمة، وبات علينا الإختيار بين الإقفال والموت... فاخترنا الإقفال".

تحركات على أصعدة مختلفة تقوم بها نقابة تجار الصاغة سعياً منها لإعادة نقطة الجيش التي كانت محددة على مدخل السوق إلى مكان تواجدها في السابق، لكي يعود شيء من الأمان ولكي يرتاح الناس فتعود حركة البيع والشراء. وآخر تلك التحركات، زيارة قام بها وفد من النقابة بالأمس إلى المحافظ ناصيف قالوش، حيث تلقى منه تجاوباً ووعوداً بالقيام بما يلزم لحفظ أمن تلك الشوارع.

الغرباء عن طرابلس كما أهل المدينة يعرفون جيداً قيمة هذا السوق الذي يعود بناؤه إلى قرون مضت، ويعيده المؤرخون إلى زمن المماليك. وما زال سوق الصاغة حتى اليوم يشتهر بتصاميم الحلي فيه وبكونه من أهم مراكز بيع الذهب في لبنان، بما أنه مرتبط بتاريخ يعود إلى أكثر من 400 سنة، ينقله الآباء إلى الأبناء جيلاً بعد جيل، ويتألف اليوم من 125 محلاً.

وفي هذا السياق، يوضح نقيب الصاغة خالد النمل "أننا أبلغنا المعنيين أن ما من إمكانية للإستمرار وسط هذا الوضع الأمني الصعب، فأبواب رزقنا محميّة بألواح من الزجاج"، مشيراً إلى "أننا نريد حماية أو تأمين دوريات على الأقل وقد نلنا وعوداً بالتجاوب معنا". ويؤكد أن "وضعنا صعب وليس بإمكاننا الإستمرار"، قائلاً: "حتى ابن طرابلس يخاف أن يقصد السوق ليشتري".

أما سعد شمطية، أحد أصحاب تلك المحال في السوق العتيق، فيشرح أنه "في السابق، كان هناك نقطة للجيش على مدخل السوق، ولكن "بعض الزعران" طالبوا بإزالتها بحجة أن الناس يخافون عندما يرون الجيش مما يؤثر سلباً على الأوضاع الإقتصادية والمبيعات، وذلك بمساعدة بعض الزعماء السياسيين. أما اليوم، فلاحظوا أن ما قاموا به خطأ". وعن إمكانية أن تشكل عودة الجيش خوفاً عليه كونه بات مستهدفاً في الآونة الأخيرة من قبل بعض الجهات، يقول: "عودة الجيش لن تشكل أي خطر لأنه عندما يأتي إلى المنطقة "يُضرب له مليون حساب" ولا أحد يتجرّأ للنظر إلى عينيه على عكس سائر الأجهزة الأمنية، فهو لديه مركز واحترام مميز"، متسائلاً: "هل من المعقول أن يتحكم 10 أو 20 أزعر بمصير المنطقة برمتها؟" ويشير إلى أن "كل صاحب محل لديه أولاد ومنزل، وبالتالي فإن حجم المتضررين يبلغ المئات"، موضحاً أنه "ليس لدينا في السوق العتيق طرفان متنازعان على غرار التبانة وجبل محسن، بل المسائل عائلية فقط، لذلك من المستحيل أن يحدث أي إشكال في السوق في ظل وجود الجيش".

وبدوره، ينضمّ عمر غيّة، أحد أصحاب محلات الصاغة أيضاً إلى المطالبة بعودة الجيش، مشدداً على أن "الجميع يريد ذلك". ويلفت إلى أن "المسلحين دخلوا إلى الأسواق، والمعارك جرت في شوارعها واستخدموا فيها القذائف والرصاص بين العائلات ولأسباب فارغة"، مشيراً أيضاً إلى الصعوبة التي باتوا يعانون منها لكسب لقمة العيش.

اليوم، ستفتح أبواب السوق من جديد بعد الوعود التي حصلت عليها النقابة بعودة الجيش إلى المنطقة، والنقيب النمل يوضح أن الأجهزة المعنية ستعطى مجال يومين أو ثلاثة لتأمين الحماية اللازمة، وإلا فقد يتم الإتجاه إلى الإقفال من جديد.